اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٥
لم تكن الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة من صباح أمس، حين تلقى السكان اتصالًا من ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي يأمرهم بإخلاء مدرسة 'أبو عاصي' التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إلى جانب مربع سكني مجاور لها من الجهة الغربية.
ومع تصاعد حدة التهديد، بدأ مئات النازحين الفلسطينيين، الذين لجؤوا إلى المدرسة هربًا من القصف في مناطقهم، بمغادرتها على عجل دون أن يتمكنوا من أخذ أي من متاعهم الشخصي، قبل أن تنهال صواريخ الاحتلال على المدرسة فتحولها إلى كومة من الركام والدخان.
المدرسة، التي كانت حتى وقت قريب مأوى آمنًا لعائلات مشرّدة، تحولت إلى شاهد جديد على جريمة استهداف البنية التحتية المدنية في غزة، في ظل صمت دولي مطبق وتجاهل متعمد للقانون الدولي الإنساني الذي يفترض أن يحمي هذه المنشآت، لا سيما تلك التابعة لوكالات الأمم المتحدة.
ملاذ النازحين
منذ أيام، صعّد جيش الاحتلال عدوانه العسكري على المناطق الغربية من مدينة غزة، مع تركيز خاص على مخيم الشاطئ للاجئين، الذي بات وجهة لعشرات الآلاف من النازحين القادمين من شرق المدينة بعد تعرضها لهجمات عنيفة ومركّزة.
وفي قلب هذا الجحيم، كان المواطن سمير الهسي (40 عامًا) الذي يقطن المدرسة المستهدفة، يحاول إعادة ترتيب ما تبقى من الغرفة الصفية التي استقر بها مع أسرته، والتي طالها الدمار بفعل القصف الإسرائيلي الأخير.
وقال الهسي لـ فلسطين أون لاين: 'عند الساعة 11 صباحًا، أطلقت طائرات الاحتلال صواريخها مباشرة على المدرسة التي تضم مئات العائلات. لم يكن هناك تحذير كافٍ، وكان الهدف واضحًا: تهجيرنا مجددًا'.
وأضاف بحرقة: 'أين الأمم المتحدة؟ أين المجتمع الدولي؟ كيف يتم استهداف منشأة تابعة للأونروا بشكل متكرر دون أي محاسبة؟ إنها حرب إبادة ممنهجة'، مؤكدًا أن المدرسة تعرضت للاستهداف أكثر من مرة منذ بداية الحرب الضروس على غزة.
من جانبه، أعرب المسن محمود أحمد، أحد النازحين الذين خرجوا من المدرسة قبيل القصف، عن استغرابه من تكرار استهداف المدارس، وقال: 'غادرنا على أمل أن نعود بعد أن تهدأ الأوضاع، لكن الطائرات دمرت المكان. هم لا يريدون تركنا نعيش حتى في أماكن اللجوء'.
وتابع أحمد بأسى: 'يريدون دفعنا إلى النزوح مجددًا، بل وتهجيرنا نهائيًا من غزة. الاحتلال يرتكب مجازر يومية بهدف واحد: تفريغ القطاع من سكانه الأصليين'.
ورغم الدمار الكبير، بدأت بعض العائلات النازحة بمحاولات لإزالة الركام وتنظيف ما تبقى من ملابس وأغطية، في محاولة للعودة إلى السكن داخل المدرسة المدمّرة، لعدم توفر أي بديل آخر.
'لن نغادر'
وأكدت الحاجة سناء، وهي نازحة من شمال غزة، بعزيمة لا تلين: 'لن أغادر المدرسة، سأبقى فيها مهما كلفني الأمر. نزحت أكثر من عشر مرات منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، من بيت حانون إلى جباليا إلى مدينة غزة، ولن أقبل النزوح إلى الجنوب'.
وأضافت لـ'فلسطين أون لاين'، بغضب ممزوج بالدموع: 'أين العرب؟ أين العالم الإسلامي؟ لماذا لا يتحرك أحد؟ ما يحدث في غزة إبادة جماعية على مرأى ومسمع من الجميع. لقد تعبنا من الموت والتشرد، والسكوت العالمي تواطؤ واضح'.
في الأيام الأخيرة، كثّف جيش الاحتلال قصفه للأحياء الشمالية الغربية من غزة، مستهدفًا بشكل خاص مخيم الشاطئ، الذي أصبح خلال فترة وجيزة مكتظًا بالنازحين من مختلف مناطق القطاع.
ويأتي هذا التصعيد في إطار حرب مستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، أدت إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وتهجير أكثر من 80% من سكان غزة من منازلهم.
ومن خلال استهداف المدارس والمخيمات والمراكز الإنسانية، يسعى الاحتلال لتضييق الخناق على النازحين ودفعهم قسرًا إلى النزوح المتكرر أو الخروج من القطاع نهائيًا، في إطار سياسة تهجير جماعي ممنهجة تتناقض مع كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.
ورغم مرور نحو عامين على الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على غزة، ورغم تصاعد أعداد الشهداء والمصابين يومًا بعد يوم، لا يزال الموقف الدولي يراوح مكانه دون خطوات عملية لوقف العدوان أو محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين.
وفي ظل هذا الواقع الكارثي، يعيش الفلسطينيون في غزة بين مطرقة القصف وسندان النزوح، دون أفق واضح، سوى التمسك بالصمود، والثقة بأن العدالة ستتحقق، ولو بعد حين.