اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٥
الدوحة على مفترق طرق
كتب/ عبد الله مغاري
على الرغم من انزياح غبار الضربة الإسرائيلية عن سماء الدوحة، إلا أن الأجواء لم تهدأ بعد. هدير السياسة في هذه العاصمة، التي كانت لسنوات وجهة دول العالم كقناة دبلوماسية، لا يبدو أنه سيخفت من دون رد قطري، فالدوحة كانت هدفًا ربما قبل حماس نفسها.
لم تكن الضربة الإسرائيلية في الدوحة مجرد حدث أمني عابر، بل هزّت توازنات سياسية إقليمية ودولية، وبات منعطفًا مهما لثلاثة أطراف رئيسية: الأول حركة حماس التي خرجت بأقل الخسائر وربما وجدت في العملية مخرجًا من مأزق المقترح الأمريكي الأخير، والثاني إسرائيل التي اندفعت إلى مغامرة خطيرة ترتد عليها تبعاتها يومًا بعد الآخر، أما الثالث فكان قطر نفسها، التي وجدت فجأة أنها المتضرر الأكبر من الضربة بعدما وُضعت في قلب المواجهة وعلى مفترق طرق سياسي ودبلوماسي حساس.
عملت الدوحة على مدار عقود لتعزيز مكانتها بين دول المنطقة، فاستثمرت اقتصاديًا وإعلاميًا ودبلوماسيًا، وأصبحت حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة. ومن خلال الوساطة، كرست نفسها كفاعل محوري في إنهاء صراعات معقدة؛ فقد لعبت دورًا رئيسيًا في اتفاق الدوحة بين طالبان وواشنطن، وكانت حاضرة في التوصل إلى اتفاق الدوحة في لبنان عام 2008، وأسهمت في اتفاقيات سلام في السودان، فضلًا عن أدوارها المتكررة في التهدئة بين إسرائيل وحماس وملفات تبادل الأسرى. هذه الإنجازات جعلت من اسم الدوحة عنوانًا للوساطة السياسية في الشرق الأوسط، غير أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة تضع مستقبل هذه المكانة على المحك، وتهدد الثقة الدولية التي راكمتها قطر طوال سنوات.
اليوم تقف الدوحة أمام خيارين متناقضين؛ فإما أن تستوعب الضربة على حساب مكانتها الاستراتيجية وتترك لإسرائيل فرصة إزاحتها عن المشهد السياسي، وإما أن ترد اعتبارها كوسيط تعرض للغدر، وأن تحوّل التهديد إلى فرصة تاريخية تسجل لصالحها في حرب غزة.
التاريخ يقدم لنا مثالًا قريبًا حين تعرض خالد مشعل عام 1997 لمحاولة اغتيال إسرائيلية في عمان. آنذاك لم يكتف الملك حسين بالتنديد، بل استثمر الحادثة وأجبر إسرائيل على تسليم الترياق المضاد للسم، ثم ألزمها بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، فتحولت الأزمة إلى مكسب سياسي للأردن سُجل في تاريخه.
قد تختلف الظروف اليوم عن الأمس، كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية أكثر تطرفًا وعدوانية، لكن قواعد السياسة لم تتغير؛ فالفرص تصنعها طريقة استثمار الأزمات. قطر تمتلك أوراقًا مهمة، أبرزها الدعم الدولي لموقفها ضد إسرائيل، والعلاقة الاستراتيجية التي تربطها بالولايات المتحدة، وهي علاقة لا ترغب واشنطن في التفريط بها نظرًا لأهمية قاعدة العديد التي تمثل أكبر وجود عسكري أمريكي في الشرق الأوسط.
أفضل ما يمكن أن تفعله الدوحة هو وضع هذه العلاقة على الطاولة، سواء في إطار اتفاقية الدفاع أو عبر التحالف الاستراتيجي، بما يدفع الإدارة الأمريكية إلى ممارسة ضغط مباشر على تل أبيب ردًا للاعتبار. إلا أن الدوحة حتى اللحظة تتجنب تلويحًا صريحًا بهذه الورقة، وتفضل أن تبقى المواجهة مع إسرائيل وحدها، رغم إدراكها أن الضربة ما كان لها أن تتم من دون علم واشنطن أو على الأقل غضّها الطرف.
وبينما يُستبعد الرد العسكري تمامًا بحكم طبيعة قطر، يبقى الرد الدبلوماسي والسياسي هو الخيار الممكن. غير أن هذا الرد لن يكون مؤثرًا ما لم يترافق مع موقف خليجي موحد يغيّر المعادلة، وهو أمر ليس مستحيلًا على الرغم من التناقضات بالخليج، لأن ما جرى في الدوحة قد يتكرر غدًا مع جيرانها.
وهنا يظل السؤال مفتوحًا: هل تستطيع قطر أن تحوّل التهديد إلى فرصة كما فعلت عمان قبل ثلاثة عقود، أم أنها ستكتفي بدور المتلقي لصدمة الضربة الإسرائيلية؟