اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
منذ أن دخلت القوات البريطانية أرض فلسطين عام 1917، بدأت غزة فصلًا جديدًا من تاريخها الطويل في مواجهة الاحتلالات. لم تكن غزة يومًا مدينة هامشية في مسار التاريخ الفلسطيني، بل كانت دائمًا القلب النابض للمقاومة، والمكان الذي تتجلى فيه إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والصمود رغم كل ما مرّ به من نكبات وحروب وحصار.
عاشت غزة في ظل الاحتلال البريطاني مرحلة من التحدي والمقاومة، حيث شارك أبناؤها في الثورات الفلسطينية الكبرى ضد سياسات الانتداب التي فتحت الأبواب أمام المشروع الصهيوني. كانت غزة حاضرة في ثورة البراق عام 1929 وفي الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939)، وقدّمت العديد من الشهداء والمناضلين الذين رفضوا بيع الأرض أو التنازل عن الهوية.
وبعد نكبة عام 1948، أصبحت غزة ملاذًا لعشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من قراهم ومدنهم، فتحولت إلى بقعة صغيرة مكتظة بالبشر تحمل جراح الوطن كله. ورغم قسوة الحياة وصعوبة الواقع تحت الإدارة المصرية، لم تتوقف جذوة النضال، بل بدأت التنظيمات الوطنية تتشكل في أزقتها ومخيماتها، لتعلن انطلاقة العمل الفدائي ضد الاحتلال بعد عام 1967، حين احتلت إسرائيل القطاع بالكامل.
في تلك الحقبة، شهدت غزة تصاعدًا كبيرًا في العمل المقاوم، وكانت مركزًا حيويًا للنشاط الوطني والسياسي. ومع مرور الوقت، أصبحت غزة بؤرةً للثورة الفلسطينية الحديثة، خصوصًا بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 من مخيم جباليا، والتي مثّلت نقطة تحول في تاريخ النضال الفلسطيني. كانت تلك الانتفاضة تعبيرًا جماعيًا عن رفض الاحتلال، وقدمت غزة فيها تضحيات جسيمة من شهداء وجرحى وأسرى.
ومع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، شهدت غزة أول انسحاب جزئي إسرائيلي وأصبحت مقرًا للسلطة الفلسطينية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة جعلت الأمل في السلام يتراجع سريعًا، لتعود غزة مجددًا إلى واجهة المقاومة خلال انتفاضة الأقصى عام 2000. بعد ذلك، انسحبت إسرائيل من داخل القطاع عام 2005، لكنها فرضت عليه حصارًا خانقًا من البر والبحر والجو، حول حياة سكانه إلى معاناة مستمرة.
منذ ذلك الحين، تعرضت غزة لعدة حروب مدمّرة، أبرزها في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021 و2023، وقدّمت خلال تلك المواجهات آلاف الشهداء، لكنها لم تنكسر. تحولت غزة إلى رمز عالمي للصمود والإرادة، وأصبحت مثالًا حيًا على مقاومة الظلم رغم انعدام الإمكانات. في كل مرة تُدمَّر بيوتها وتُقصف شوارعها، تنهض من جديد كأنها تقول للعالم: “ما زلنا هنا”.
اليوم، وبعد أكثر من قرن على بداية الاحتلال البريطاني، ما زالت غزة تحمل في ذاكرتها النضالية تاريخًا حافلًا بالمقاومة والتحدي. هي ليست مجرد مساحة جغرافية صغيرة، بل صفحة مضيئة من صفحات التاريخ الإنساني في مواجهة الاستعمار. لقد أثبتت غزة أن القوة ليست في السلاح فحسب، بل في الإيمان بعدالة القضية، وفي الصبر على الجراح من أجل وطن حرّ ومستقل.
وهكذا، تظل غزة عنوانًا للكرامة والصمود، وذاكرة نضالية متجددة تُلهم الأجيال، وتذكّر بأن الأرض التي تُروى بالدم لا تموت، بل تبقى حية في قلوب أبنائها ما بقي فيهم نبض المقاومة.

























































