اخبار لبنان
موقع كل يوم -الصدارة نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
كتب د.حمزة عمر حمية – خاص
منذ لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري، دخلت الحريرية الوطنية مرحلة استهداف ممنهَج لم تتوقف فصوله.
فذلك الاغتيال لم يكن فقط تصفية لزعيمٍ وطني، بل كان محاولة لكسر نهجٍ متكامل يمثّل الاعتدال والعبور إلى الدولة.
ومع غياب الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية، بدا المشهد وكأنه استكمال لمحاولة الإجهاز على هذا المسار، عبر تحالفات مصطنعة وهندسات انتخابية مفصّلة لإقصاء هذا النهج من المشهد العام.
إلا أن كل ذلك لم يُلغِ حقيقة راسخة: الحريرية لم تكن يومًا مجرّد زعامة، بل هي نهج وطني متجذّر في الضمير اللبناني العام، وخصوصًا في وجدان الطائفة السنية، التي رأت في هذا المشروع مساحة أمل في بناء الدولة، وضمانة للاعتدال، وحاملًا لتوازنات الوطن.
الانتخابات البلدية: اختبار حقيقي للحضور الشعبي
شكّلت الانتخابات البلدية الأخيرة فرصة عملية لقياس المزاج الشعبي، ولرصد مدى تأثير حملات الإقصاء. وقد جاءت نتائجها، لا سيما في بيروت وطرابلس، لتؤكد بوضوح أن غياب الشيخ سعد الحريري لم يُلغِ حضور الحريرية، بل زادها رسوخًا في الوعي الشعبي، وأعاد التأكيد على أن الفراغ لا يُملأ بتفاهمات سياسية مفروضة، ولا بتكتلات مصلحية تفتقد للهوية الوطنية الجامعة.
طرابلس: المقاطعة بوصفها موقفًا سياسيًا
في طرابلس، كانت المقاطعة السنية شبه شاملة. هذه المدينة التي لطالما عبّرت عن خياراتها بفعالية، امتنعت عن المشاركة في الانتخابات، في رسالة اعتراض واعية على محاولات فرض بدائل سياسية لا تعبّر عنها، ولا تمثل عمقها الوطني.
جاءت نسبة الاقتراع الهزيلة لتؤكد أن المدينة لا تقبل استبدال مشروع الحريرية بمشاريع ظرفية، أو بشعارات لا ترتكز إلى رؤية واقعية لبناء الدولة. إن المقاطعة هنا لم تكن عزوفًا، بل موقفًا سياسيًا مدوّيًا يقول بوضوح: لن نمنح شرعية لمن لا يشبهنا في الرؤية والانتماء.
بيروت: خرقٌ في وجه تحالف شامل
أما في بيروت، العاصمة التي شكّلت المعقل التاريخي والرمزي للحريرية، فقد اجتمعت معظم القوى السياسية، من مختلف الاتجاهات والطوائف، على هدف واحد: منع أي خرق انتخابي يعيد تموضع الحريرية في المشهد.
ورغم هذا التكتل الواسع، نجح مرشّح مستقل، ينتمي وجدانيًا إلى البيئة الحريرية، في تحقيق خرق بارز،هذا الخرق، وإن بدا فرديًا، إلا أنه جاء ليعكس عمق الحضور الشعبي للحريرية في العاصمة، ويؤكد أن فكرها لا يزال جزءًا لا يتجزأ من هوية بيروت ووجدانها السياسي.
الحريرية: مشروع دولة ورؤية وطنية
ليست الحريرية مجرّد تيار سياسي، بل هي رؤية متكاملة لبناء الدولة، ونهج إصلاحي حمل مشروع الشراكة الوطنية، وراهن على الاعتدال والانفتاح في زمن الاصطفاف والانغلاق.
لذلك، فإن كل محاولات محاربتها أو تجاوزها أو تصويرها كمرحلة انقضت، لن تفلح في محو أثرها، لأن هذا النهج لم يبنى على الشعارات، بل على مشروع متكامل استثمر في المؤسسات والدولة والناس.
دعوة شعبية لعودة سعد الحريري
في هذا السياق، تبرز اليوم دعوة شعبية حقيقية وصادقة تطالب بعودة الرئيس سعد الحريري.
ليست هذه دعوة حزبية أو إعلامية، بل صادرة عن عمق الشارع الذي تعب من الفوضى، ويشتاق إلى منطق الدولة والاعتدال والهوية الوطنية الجامعة.
هذه الدعوة لا تقتصر على بيروت أو طرابلس، بل تمتد إلى كل بيت لبناني عرف معنى الاستقرار والإنتاج والتوازن. وتدرك القوى السياسية في الداخل، كما الجهات الفاعلة في الخارج، أن الحريرية لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، لأنها ضمانة أساسية للاستقرار السياسي والوطني.
الحريرية باقية… رغم كل شيء
باختصار، الحريرية ليست غائبة، بل مقصاة قسرًا، لكنها تعود من الناس، من وجع المدن، ومن حنين اللبنانيين إلى دولة تحميهم لا تتخلّى عنهم.
إنها فكرة… نهج… ومسار وطني لا يُقصى، ولا يُمحى، ولا يموت.