اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
إلى أين يذهب حملة الشهادات، المشكوك أحيانا في أمرها، بما تسلّحوا به من شهادات ومعارف؟ لقد ضاقت سبل الرزق عن ان تسدّ حاجات متخرّجينا الشباب، وخيرتهم يهاجرون أو يبحثون عن عمل مكتبي، في ديوان من الدواوين، يكافئ ما أحرزوا من عليا الشهادات في مختلف المعاهد.
مردّ هذا إلى نوع من الاعتقاد السائد، بان الوظيفة تضمن الحاضر وتؤمّن المستقبل، وأنها متوافرة لكل المتخرّجين في الحكومات وخارجها.
وها ان الأزمة الاقتصادية والمالية تتفاقم، والصناعات الوطنية لم تبلغ من الجودة والإتقان، ما بلغته الصناعات الأجنبية. يجب شحذ الهمم باستمرار وكذلك المواهب إذكاء للشعور الوطني وتعزيزا للإنماء. فإلام انتقاص الجهود الفردية والإغضاء عن تقديرها وتشجيعها؟ انك لتجد تاجرا يشدّ بضاعته بين يديه شدّا ويعلن لك في حرارة واستنكار، انها ليست وطنية، انها أجنبية، واردة من الغرب، حيث لا غش ولا خداع ولا نفاق!
وهبك يوما دعيت للاستماع إلى إلقاء المحاضرات في احدى الحفلات، واستمعت فيها إلى محاضرين أحدهما يتحدث إلى جمهوره بلسان عربي مبين، والآخر يتحدث إلى جمهوره بلسان أجنبي. تأكّد انك ستسمع ثناء يشبه الإجماع على صاحب الرطانة الأجنبية، مهما أثقل وأمل من سخف وهراء... بقدر ما ترى من علامات الاشمئزاز، وما تسمع من أصوات الاستنكار يقابل به الجمهور صاحب الصبغة العربية، التي يشترك فيها معهم جميعا على السواء. بل أنت إذا ترجمت أسخف قطعة أدبية لأسخف كاتب أجنبي، وجدت في النشر مجالا واسعا وانتشارا مطلقا، على النقيض من الكاتب العربي، الذي يكدّ ذهنه ويعتصر نفسه، ليعطيك قطعة من صميم الحياة القومية.
ولنضرب لك مثلا آخر بالخمر، فان كانت من منتوجات البلاد فعليها لعنة الابالسة والشياطين والناس أجمعين، وان كانت أجنبية فلعنة السماء على الحلال والحرام!
قوة الثقة بالنفس الجماعية وحتى الفردية، يبدو أننا فقدناها بعد شيء دخيل، فحوّل كل قريب إلينا بغيضا لا حظ له من إعجابنا. فقدنا الثقة بما لنا وبمن حولنا، إلى ان فقدنا الثقة بأنفسنا، لأنها أقرب ما تكون إلينا، وتحوّل إكبارنا إلى كل ما هو غريب عنا أو بعيد عنا، غرابة نسبية وبُعدا نسبيا.
الثقة فضيلة الأقوياء، فليعمل المسؤولون لبثّها أجيالنا...
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه