كيف تنهض الدولة بعد سقوط هيبتها في امتحان "الروشة"؟

كتب سعد الياس في 'القدس العربي':

ليست المرة الأولى التي يلوّح فيها رئيس حكومة لبنانية بالاعتكاف نتيجة تقصير أمني، ففي التاريخ اللبناني حادثة مهمة حصلت عام 1973 بعدما اقتحم كوماندوس إسرائيلي بيروت وقتل ثلاثة قادة فلسطينيين في منطقة فردان. يومها، حمّل رئيس الحكومة صائب سلام، قائد الجيش إسكندر غانم المسؤولية وطالب بإقالته، غير أن رئيس الجمهورية سليمان فرنجية رفض الإقالة، وانتهت الأزمة السياسية باستقالة حكومة صائب سلام.

وللمصادفة، فإن رئيس الحكومة الحالي نواف سلام، هو إبن شقيق صائب بك سلام، والخطوة التي أقدم عليها بإلغاء مواعيده في السراي الحكومي كادت تصل إلى حد الاعتكاف لولا تدخل وزراء ونواب أكدوا له أن المعركة الكبرى هي حصرية السلاح بيد الدولة وليست إضاءة صخرة الروشة. ولم تخل هذه الحادثة من تحميل قائد الجيش العماد رودولف هيكل ضمناً مسؤولية التقصير والتساهل مع «حزب الله» في عدم احترام التعميم حول عدم إضاءة الصخرة بصورة الأمينين العامين للحزب حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وطالب كثيرون على مواقع التواصل بالمحاسبة والمساءلة ما دفع بوزير الدفاع اللواء ميشال منسي إلى إصدار بيان يرفض فيه ما سمّاه «التحامل الظالم على الجيش».

لكن في القراءة السياسية، فإن ما جرى أبعد من قضية إضاءة صورة على صخرة أم لا، بل هو «بروفا» لقيام الدولة بعد تسعة أشهر على خطاب القسم وثمانية أشهر على البيان الوزاري أم العودة إلى زمن الاستقواء على الدولة، وتداعيات هذه القضية على نظرة المجتمع الدولي للدولة اللبنانية وتخاذلها في بسط سلطتها على كافة أراضيها بما في ذلك تطبيق خطة الجيش لحصرية السلاح. فالحدث على صخرة الروشة كان امتحاناً لهيبة الدولة ولتدابير الجيش، ولكن في رأي البعض أن هذه الهيبة وهذه التدابير انتُحرت من قبل «حزب الله» على صخرة الروشة، وكانت الرسالة واضحة من قبل حضور رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في «الحزب» وفيق صفا الذي ارتبط اسمه بالملفات الأمنية وبتهديد المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.

وإذا كان الاجتماع الوزاري في السراي الحكومية شدد على التضامن مع رئيس الحكومة وعلى تطبيق القوانين على جميع اللبنانيين سواسية، وتبنى موقف الرئيس سلام حول «المخالفة الصريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمع في منطقة الروشة»، فالسؤال الأبرز هو كيف يمكن للدولة أن تستعيد هيبتها بعد هذه الحادثة؟ وكيف سينظر إليها رعاة اتفاق وقف الأعمال العدائية وتطبيق القرار 1701؟ وهل كان محقاً الموفد الأمريكي توم براك عندما قال إن «كل ما يفعله لبنان هو الكلام؟».

أما المفارقة الساخرة التي استفزت أهالي بيروت ومناصري «تيار المستقبل»، فتمثلت في عرض صورة لنصر الله يتوسط الرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري، في وقت صدر عن المحكمة الدولية حكم مبرم باتهام عناصر من «حزب الله» باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي وقت أسقطت «القمصان السود» حكومة الرئيس سعد الحريري الذي لدى تعليق عمله السياسي حمّل «الحزب» والنفوذ الإيراني مسؤولية الانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة.

وإلى هاتين الواقعتين، لم ينس أهالي بيروت الجرح الكبير في 7 ايار عندما اجتاح «حزب الله» شوارع العاصمة واقتحم تلفزيون «المستقبل» وحاصر كلاً من سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وقد رأى البعض في التجمع الكبير في منطقة الروشة الذي تخللته اتهامات للرئيس سلام وهتافات «شيعة شيعة» نوعاً من «ميني 7 أيار» مدني، وإنقلاباً جديداً على قرارات الدولة اللبنانية، ورسالة من «حزب الله» بأن من يعجز عن تطبيق قراره بمنع إضاءة صخرة الروشة كيف سيكون قادراً على تطبيق قراراته بحصرية السلاح.

من هنا، جاء موقف رئيس الحكومة الذي وإن طالب بتوقيف الفاعلين الذين خالفوا مضمون الموافقة المعطاة من قبل محافظ بيروت وانقلبوا على التزاماتهم الصريحة، فإنه يستدعي أيضاً مساءلة وزيري الداخلية والدفاع إضافة إلى مؤسستي الجيش وقوى الأمن الداخلي، بسبب إخفاقهم بعدم تنفيذ قرار صادر عنه ومنع المشهد الاستفزازي للشارع السني بتوجيه صورة نصر الله نحو الأبنية السكنية، وكأن ما لوّح به أمين عام «الحزب» الشيخ نعيم قاسم من «معركة كربلائية» بدأها في شوارع بيروت وضد «البيارتة» بدل التوجه نحو مقاتلة العدو الإسرائيلي.

أما رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي كان موجوداً في نيويورك لدى حصول الحادثة، فثمة مَن دعاه لقطع زيارته والعودة إلى لبنان للعمل مع رئيس الحكومة على إحباط الانقلاب، لأن مفاعيل زيارته سقطت بسقوط الدولة عند صخرة الروشة، ولأن دولة لا تملك سيادتها على أرضها لا يمكنها مطالبة الدول بمساعدتها لاستعادة سيادتها الخارجية.

غير أنه في مقابل هذه الوقائع، ثمة من قرأ في مشهدية الروشة تراجعاً لـ «حزب الله» الذي بعد 40 سنة من رفع شعارات المقاومة وتحرير القدس والدخول إلى الجليل اختصر القضية كلها بصورة لنصر الله وصفي الدين بالليزر على صخرة، سائلاً «هل إنارة صخرة أهم من تحرير وطن؟ وهل هكذا يكون الانتصار على إسرائيل؟ وما مصلحته بمواصلة استعداء باقي اللبنانيين ومهاجمة الدولة اللبنانية وتسجيل انتصارات وهمية عليها تعويضاً عن خسارته أمام إسرائيل؟».