مبادرة الحزام والطريق: هل يواكب لبنان طريق الحرير الرقمي؟

تُعتبر مبادرة الحزام والطريق التي اطلقتها الصين عام 2013، من أبرز المشاريع الاقتصادية العالمية الهادفة إلى تنشيط الروابط التجارية والاستثمارية بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال إنشاء شبكة من البنى التحتيّة الحديثة. ومن الاستراتيجيات التي تصب في إطار هذه المبادرة تأسيس 'طريق الحرير الرقمي' الذي يعمل على تفعيل التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين البلدان المعنيّة، وبالتالي إعادة إحياء طريق التجارة القديمة من خلال استحداث شبكات وبنى اتصاليّة متطوّرة، وهنا نتساءل عن مدى جهوزيّة لبنان في المواكبة والاستفادة من هذه المبادرة الدوليّة والانفتاح عليها، كوسيلة ناجعة في تحسين اقتصاده الوطني وتوفير فرصاً جديدة للشباب والمستثمرين، خاصة أنّ موقعه الجغرافي يشكّل نقطة تقاطع استراتيجيّة هامة في منطقة الشرق الأوسط ويتمتّع بقدرات ومهارات بشريّة متقدمة رغم كل التحديات.

يستطيع لبنان ان يكون شريكاً اساسيًا في' طريق الحرير الرقمي' اذا ما تلقّفت الدولة مبادرة الحزام والطريق التي توفّر فرصاً كبيرة لتحسين بيئته الرقمية والاتصالية، علمًا أنّ الصين أنشأت كابلات ألياف ضوئية تربط بين آسيا وأوروبا بهدف زيادة سرعة وموثوقية الإنترنت. ولكي نكون أكثر واقعية، يمكن للحكومة اللبنانية تنفيذ عقد شراكات مع الصين ومؤسساتها المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لاستحداث بنية رقمية متطورة، وبالتالي تشجيع الادخار في مشاريع الكابلات البحرية ومراكز البيانات. ان توظيف طاقات لبنان الفكرية والمادية في التكنولوجيا من خلال هذه الشراكة يمكن ان يجذب استثمارات في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومختبرات التصميم والتجديد وتحليل البيانات الضخمة، الامر الذي يفترض تعزيز مكانته كمركز إقليمي للابتكار الرقمي، خاصة إذا تم دعم المؤسسات الناشئة فيه عبر حوافز ضريبية مثلًا وبرامج تدريبية متخصصة في مهارات تكنولوجيا المعلومات واستخدام منصات التجارة الإلكترونية للوصول إلى الأسواق العالمية مع اقرار القوانين التي تتظمها. وعليه، يجب على الدولة اللبنانية ان تضع استراتيجيات وحلول عملية للتنفيذ إضافة الى التفاوض وتوقيع الاتفاقيات، مثل تأسيس صندوق استثماري مشترك بين لبنان والصين يدعم المشاريع الرقمية واالابتكار، وتفعيل الأطر القانونية والتشريعية والتنظيمية وتحديث السياسات لدعم الرقمنة وحماية البيانات وتحفيز الاستثمار وحماية حقوق الشركات والمستهلكين. ونؤكد هنا على أهمية تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني المتخصص، مع أهمية تفعيل التعاون مع الحكومة اللبنانية على الصعيد المحلي والدولي لأجل تسريع وتنفيذ المشاريع بطريقة محترفة وهادفة، خاصة أن مجلس الوزاء أقرّ الاستراتيجية الوطنيّة للتحوّل الرقمي 20-30 في جلسته شهر أيّار 2022 التي يجب ان تعمل الدولة جديًّا على وضعها ضمن خطط اجرائيّة/عملانيّة تواكب التطورات العالميّة في هذا المجال، بما يضع لبنان على الخارطة الجغرافيّة الرقميّة الدوليّة.

بكلمة مختصرة نقول، يستطيع لبنان الاستفادة من مبادرة الحزام والطريق التي تؤدي حتمًا الى تفعيل موقعه كمركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار، وتقدّم بالتالي فرصة كبيرة لتعزيز نمو لبنان الاقتصادي والرقمي، هذا طبعًا إذا ارادت القوى السياسية التغلّب على التحديات واعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية المنهارة بعد تأمين الاستقرار السياسي ومحاربة الفساد وتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة والشفافية وتوفير بنى تحتية/اتصاليّة متطورة، والاهم من ذلك، تحقيق التوافق بين مختلف الجهات السلطوية/السياسية المعنيّة في لبنان لأجل تسريع تنفيذ استراتيجية التحول الرقمي ٢٠-٣٠ والسير على 'طريق الحرير الرقمي' الدوليّة من خلال عقد الاتفاقيات مع البلدان التي تقع على خارطة تلك المبادرة التاريخية وتحسين العلاقات معها.