اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يقول أمس كاتب إسرائيلي في صحيفة هارتس فكرتين إثنتين تستحقان التوقف عندهما بتمعن، وذلك رغم أن هذا الكاتب هو جزء من بيئة اليسار في إسرائيل التي تعبر عن مناخ سياسي ضئيل الحجم للغاية:
الفكرة الأولى مفادها أن ترامب انقلب على المتشاحنين في إسرائيل أمثال بن غفير وسموتريتش وعلى 'معلمهم' نتنياهو.
الفكرة الثانية تقول أنه في العالم ماتت فكرة أرض إسرائيل الكبرى ولم يعد لها أفق تنفيذي عملي؛ ولكن في العالم انبعثت من جديد فكرة إقامة دولة فلسطينية.
الواقع أن هاتين الفكرتين اللتين يطرحهما الكاتب اليساري الإسرائيلي يرسمان محددات الإجابة عن سؤال 'من ربح ومن خسر في حرب غزة الإقليمية الكبرى'؟؟..
.. والنصر هنا بمعناه السياسي الاستراتيجي وليس بمعناه العسكري المجرد.. بالأساس إن النقد المركزي من داخل إسرائيل ومن داخل أميركا الذي كان يتعرض له نتنياهو طوال العامين الماضيين كان يركز على فكرة استراتيجية أساسية وهي أن استمراره بالحرب يؤدي إلى مرابح عسكرية تكتيكية لكنه يفضي إلى تآكل الإنجازات السياسية الاستراتيجية؛ وكان وزير دفاع إدارة بايدن قد فسر هذا الأمر على طريقته من خلال قوله لنتنياهو: يجب الحذر لكونك تربح عسكرياً تكتيكياً وتخسر استراتيجياً.
غير أن النقطة التي يظل لها الدور المحوري في رسم صورة اليوم التالي للقضية الفلسطينية ولقصة ظاهرة نتنياهو بعد وقف الحرب في غزة، هي نقطة موقف ترامب المستديم وليس المتقلب، وحقيقة ما وصلت إليه علاقته بنتنياهو وبإسرائيل؟؟
هناك انطباع عام حالياً موجود في إسرائيل يرى أنه على عهد ترامب فإن قرار تل أبيب أصبح موجوداً في البيت الأبيض وتحديداً على طاولة ترامب وليس فوق طاولة الكابينت.
ذات مرة وصفت غولدا مائير الولايات المتحدة بأنها لها بالنسبة لإسرائيل لها موقع المسيح المخلص؛ علماً أن مائير هي من أبرز رؤساء حكومات إسرائيل التي قالت 'لا' للرئيس الأميركي نيكسون حينها.
حالياً يتحاشى نتنياهو أن يؤدي مع ترامب نفس الدور المتعنت الذي لعبته مائير مع نيكسون.. وأيضاً يتحاشى أن يدير اشتباك سياسي معه داخل الولايات المتحدة الأميركية كما فعل هو ذاته مع أوباما. لكن بالمقابل يستمر نتنياهو بإدارة خيوط لعبة تمكين أهدافه على الأرض؛ فهو يستمر بسلسلة الإقالات، وكان آخرها إقالة رئيس الأمن القومي، ويقال أنه أقال ديرمر أيضاً ويسعى لإقالة المفوض القضائي ميالا؛ وكان قبلاً أقال مسؤول الشاباك وقائد الجيش، الخ..، وهذا السياق يجعل نتنياهو يتواجد وحده على القمة، ويصبح نظامه قريب الشبه لنظام صدام حسين الذي كان يتخلص من الأقوياء الذين يحيطون به الواحد بعد الآخر.
وبمكان آخر من لعبة 'تمكين' موقعه في لعبة اليوم التالي التي بدأت بعد توقف الحرب؛ هناك استراتيجية يتبعها نتنياهو تجاه الضفة الغربية تناسب خصوصية وضع إسرائيل في عهد ترامب. وهنا يجدر عرض مسلسل الوقائع بشكل منهجي حتى يمكن استخلاص حقيقة الموقف الأميركي الإسرائيلي بشأن الضفة الغربية؟؟.
من جهة أساسية كان تحالف اليمين القومي والديني اليهودي الصهيوني حصل من ترامب خلال حملته الانتخابية على وعد بأن يعترف بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل في حال وصل للبيت الأبيض. وفي تصريح له لاحقاً قال ترامب أن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب توسعتها.
ثم حدث انقلاب في موقف ترامب بفعل أن الزعماء المسلمين والعرب الثمانية قالوا له خلال لقائهم به عشية اجتماع شرم الشيخ: الضفة الغربية خط أحمر. وإذا ضم نتنياهو الضفة فهذا سيخرب الصلح الإبراهيمي. وهنا أطلق ترامب وعده من خلال قوله لويتكوف إذهب وعطل مشروع إسرائيل بضم الصفة الغربية..
ولكن يبقى من المهم التدقيق في مدى التزام ترامب بمبدأ أن أحد مداخل السلام في المنطقة هو إنشاء دولة فلسطينية على حساب إتمام مشروع أرض إسرائيل الكبرى التي تعني عملياً وبالأساس ضم الضفة أو الجزء المفيد منه الذي تم استيطانه عملياً؟؟.
هناك طيف واسع من الإسرائيليين لديه انطباع عميق – وليس قناعة سياسية – بخصوص أن ترامب انقلب على المسيحانيين ومعلمهم الذي انتخبوه نتنياهو؛ ويقدمون أمثلة على ذلك: يقولون مثلاً أن بن غفير قام قبل فترة بإهانة مروان البرغوثي في السجن؛ بينما العالم حالياً يهين بن غفير (تصريحات دولية ضده وتظاهرات، الخ..).. يقولون أيضاً أن نتنياهو لا ولن يجرؤ على إهانة ترامب كما كان يفعل مع بايدن، وبالتالي لن يستطيع نتنياهو رفض طلب ترامب بإخراج مروان البرغوثي من السجن؛ وإذا حدث ذلك فهذا سيعادل إطلاق دينامية كبيرة لصالح إنشاء دولة فلسطينية؛ كون البرغوثي سيبدو لحظة خروجه من السجن أشبه بمنديلا فيما سيبدو نتنياهو ظلاً لسموتريتش وبن غفير وكهانا؛ الخ..
وفي حال استمر ترامب بالثبات على موقفه بخصوص السير باتفاق البنود العشرين حتى نهايته؛ فسيكون على نتنياهو الذهاب إلى انتخابات العام ٢٠٢٦ العامة وهو بنظر اليمين الديني الإسرائيلي خسر الحرب لأنه لم يهجر الغزاويين من ناحية، ولم يضم الضفة الغربية من ناحية ثانية، ولم يسقط النظام الإيراني من ناحية ثالثة. وحينها سيصبح نتنياهو زعيم لقسم من اليمين وهو اليمين القومي وريث حزب حيروت (كان بزعامة بيغن). لن يستطيع نتنياهو أن يخاصم اليمين الديني والكتلة العربية وقوى المركز (الليبراليون ويمين الوسط) بنفس الوقت؛ بل سيطلب حينها من ترامب أن يؤمن له مظلة حماية تمكنه من تجاوز احتمال أن يرغم وحده – أو بشكل رئيسي – على دفع ثمن التقصير في ٧ أكتوبر وعدم تحقيق النصر المطلق في حرب غزة. والأرجح هنا إما أن يخونه ترامب نظراً لأنه سيجد نتنياهو المتهم دولياً بالإجرام بمثابة عبء على حلمه بنيل نوبل للسلام عام ٢٠٢٦، وإما أن يمد له – أي ترامب – يد النجاة من خلال دفع يائير لبناء تحالف مشترك مع نتنياهو بمواجهة اليمين الديني ناقص درعي (أي شاس).











































































