اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٤ حزيران ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في البناء
أظهرت القيادة الإيرانية شجاعة استثنائيّة في ردها على العدوان الأميركي الذي استهدف برنامجها النووي، رغم تأكيدات المراجع النووية والأمنية في إيران أنه عدوان لم يترك خسائر تُذكر على البرنامج النووي وفي أرواح الإيرانيين، لأن مجرد قرار الردّ مهما كان محسوباً ومدروساً وحذراً لجهة عدم إيقاع خسائر بشرية، هو قرار كبير ومخاطرة بالدخول في حال حرب مع دولة عظمى تملك مقدرات هائلة ويتفادى كل العالم الاصطدام معها، سواء جاءت الحرب نتيجة قرار أصليّ أميركيّ بخوضها وكانت الضربة للبرنامج النوويّ مجرد افتتاحيّة لها، أو كانت الحرب تصاعداً تدريجياً للردّ والردّ على الردّ، أو ثمرة نزق وغطرسة رئيس أميركيّ استعراضيّ ومزاجيّ ومغرور، فقد قالت إيران عبر هذا الردّ إنها دولة عظمى بدرجة تمسّكها بسيادتها مشبعة بالشعور بالكرامة، ولا يمكن لها أن تدع عدواناً على السيادة والكرامة الوطنيتين دون ردّ، وهي بذلك تقدّم رسالة للكثيرين، خصوصاً بعد انكفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الردّ على الردّ، رسالة جوهرها لا تساوموا على سيادتكم وكرامتكم فقد يأتيكم الفوز من حيث لا تحتسبون، وإن خفتم من شيء فقَعُوا فيه.
– بالتوازي مع الشجاعة أظهرت القيادة الإيرانيّة حكمتها، فاختارت لترجمة الردّ على الضربة الأميركيّة خياراً مدروساً، وهي لم تبدأ بخطوات متعدّدة من سلة الخطوات التي تستطيع الذهاب إليها، مثل إغلاق مضيق هرمز، الذي يتسبّب بأذًى كبير للاقتصاد العالمي، لكن الأذى الأكبر في هذا الاقتصاد يصيب دول الخليج وأوروبا والصين والهند، بين مورّد ومستورد للطاقة، بينما الذهاب فوراً إلى تصنيع سلاح نووي يثير تحفّظات الكثير من القوى التي تساند إيران اليوم في برنامجها النوويّ، والحكمة في جعل الخيار الحكيم في مفارقة الذهاب إلى الخيار الوحيد الناريّ، أي ضرب قواعد أميركية، وخصوصاً قاعدة العديد حيث قيادة المنطقة الوسطى التي أدارت الضربة ضد إيران، لكن بطريقة تفتح طريق الانكفاء الأميركي الذي تعزّز فرص وجود رغبة بسلوكه أميركياً، متابعة المشهد الأميركي الداخلي، حيث أولوية القاعدة الانتخابية لترامب هي الداخل الأميركي الاقتصادي، وحيث لغة الحرب لا تستقطب الكثيرين باستثناء داعمي “إسرائيل” الذين يتراجع نفوذهم منذ طوفان الأقصى وحجم التوحّش الإسرائيلي، وحيث إدارة ترامب نفسها منقسمة حول معادلة قوامها، أن الضربة سوف تورّط أميركا بحرب، وجزم الرئيس ترامب بالعكس، وطبيعة الرد الإيراني على الضربة تعطيه فرصة إثبات ذلك من خلال عدم الردّ على الردّ الذي يعفيه إن أراد من التورّط بحرب.
– مع الشجاعة والحكمة قدّمت إيران رداً ذكياً، فهي ماضية في المواجهة العقابيّة لكيان الاحتلال وتبلي بلاء أكثر من حسن، وتكفي متابعة العروض الصاروخية التي تقدّمها إيران على الهواء، وحجم الدمار غير المسبوق الذي تخلفه في مؤسسات الكيان الاستراتيجية والعسكرية والنووية، وحجم الذعر الذي تصيب به مستوطني الكيان، والأسئلة التي تطرحها حول مزاعم القوة الإسرائيلية بعيون المحللين والقادة السابقين في كيان الاحتلال، والارتباك الذي تسببت به للقيادة السياسية والعسكرية للكيان، وحيث تمضي إيران في هذه المواجهة يبدو مهماً لها أن تعلم هل هي على موعد مع مفاجآت أميركية إضافية، وهل القرار الأميركي بمساندة كيان الاحتلال سوف يتجاوز حدود المساهمة الأميركيّة في استهداف البرنامج النووي الإيراني، وخير سبيل لاستكشاف عمق القرار الأميركي ليس الانتظار لمفاجأة، بل القيام بالردّ المشروع على العدوان بطريقة تفتح الباب أمام الرئيس الأميركي لفعل شيء أو عكسه، وإظهار حقيقة نواياه، فمن لديه نية الذهاب إلى الحرب سوف يكتفي بمجرد استهداف قاعدة تقيم فيها أكبر قوة لجيوشه في المنطقة وقيادة هذه الجيوش وغرفة عملياتها، ليعتبر ذلك مدخلاً لمواصلة الضربات، وإن كان قراره العميق هو عدم الذهاب الى الحرب سوف يعتبر مجرد عدم وقوع ضحايا سبباً كافياً لعدم الرد على الرد، وإقفال باب المواجهة.
– ما فعلته إيران عبر قرار الردّ قدّم صورة قيادتها كقيادة استراتيجية لدولة عظمى، ومنحها موقع صاحب المبادرة الوحيد في المنطقة، بعد الانكفاء الأميركي، حيث تدير إيران سياق حربها وخططه ومراحله مع كيان الاحتلال وترسم السقوف السياسية لشروط وقف هذه الحرب التي يبدو بنيامين نتنياهو مستعجلاً لإنهائها، وتؤكد إيران أنها وحدها من سوف ينهي هذه الحرب التي بدأها كيان الاحتلال، وأن القيادة التي سوف تدفع ثمن هذه الحرب هي قيادة نتنياهو وليس القيادة الإيرانية كما توهّم نتنياهو.