اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتبت ميساء عبد الخالق
في زمن التحوّلات الكبرى والصراع على تقاسم ثروات منطقة الشرق الأوسط، صدر مؤخراً كتاب لرئيس الأركان اللواء الدكتور حسان أديب عودة بعنوان «انهيار الحدود وصعود المحاور: تقاطع المصالح الروسية - التركية - الإيرانية في الشرق الأوسط».
يركّز الكاتب في كتابه الصادر عن دار النهار على أهمية هذه المنطقة الغنية بثروات النفط والغاز، ما يجعلها محطّ أنظار القوى الكبرى. وتشير الإحصاءات إلى أنّ نحو 30% من احتياطي الغاز العالمي يتواجد في الشرق الأوسط، بحجم يُقدّر بحوالي 54.48 تريليون متر مكعب. وتتصدر إيران قائمة الدول الأكثر احتياطاً للغاز الطبيعي بنحو 33 ألف مليار متر مكعب، تليها قطر بـ 25.172 مليار متر مكعب، ثم الإمارات العربية المتحدة، فالمملكة العربية السعودية.
ويلفت الكاتب إلى أنّ دول الخليج العربي تُعدّ جزءاً حيوياً من مصالح القوى الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، نظراً لأهمية مواردها النفطية. إذ تمتلك السعودية نحو 264.3 مليار برميل من النفط، ما يجعلها أكبر منتج ومصدّر في العالم، تليها العراق بـ 112 مليار برميل، ثم إيران بـ 98.7 مليار برميل، والإمارات بـ 97.8 مليار برميل، والكويت بـ 96.5 مليار برميل.
ويتناول الكتاب عودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، مشيراً إلى أن سياستها باتت ترتكز على البراغماتية بدل الأيديولوجيا كما كان الحال في عهد الاتحاد السوفياتي. ويعرض الكاتب التحديات التي واجهتها موسكو في سعيها لاستعادة موقعها الدولي، وفي مقدمتها المصالح الأميركية في سياق المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية، لا سيما في مجال الطاقة. ويقدّم مثالاً على ذلك من خلال التدخّل العسكري الروسي في سوريا لضمان السيطرة على خطوط إمدادات النفط والغاز وتأمين نقلها.
ويُبرز الكاتب مساعي روسيا إلى تقليص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط رغم تفوّق واشنطن في القرار الأممي، لافتاً إلى بروز تعاون ثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا، خصوصاً خلال الحرب السورية، انسجاماً مع حقائق الجغرافيا السياسية ومصالح الأمن الإقليمي.
كما يشير إلى المشاريع السياسية الإيرانية الهادفة إلى توسيع النفوذ عبر تصدير الثورة وبناء تحالفات داخل دول الجوار، ما أدّى إلى صدامات وتوتّرات جيوسياسية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.
ويطرح الكاتب مفهوم «أمن الطاقة» بوصفه محوراً أساسياً في سياسات القوى الكبرى، إذ بات استقرار الطاقة أولوية في استراتيجياتها الخارجية، بما يشمل السيطرة على إنتاج المواد الخام.
ويتطرّق الكتاب إلى شبكات أنابيب الغاز ودورها في إعادة تشكيل خريطة النفوذ، مشيراً إلى حرص روسيا على الحفاظ على مكانتها في سوق الغاز العالمي عبر مشاريع مثل خط «ترُك ستريم» الذي ينقل الغاز من روسيا إلى تركيا، وخط الغاز العربي الذي يربط مصر والأردن وسوريا بتركيا، إضافة إلى تطوير البنية التحتية في سوريا وإيران بما يعزّز نفوذهما في المنطقة.
كما يتناول التنافس الثلاثي على قطاع الغاز، موضحاً مشاركة إيران في مشاريع استراتيجية كخط إيران – العراق – سوريا الذي يصل حقول الغاز الإيرانية بالبحر المتوسط، فضلاً عن تصدير الغاز إلى تركيا والعراق ومشاريع مستقبلية باتجاه أوروبا. إلّا أنّ العقوبات الاقتصادية ما زالت تشكّل عقبة أمام جذب الاستثمارات الإيرانية رغم رفع قسم منها عام 2015 بعد توقيع الاتفاق النووي.
ويتوقّع الكاتب استمرار التنافس الروسي - التركي - الإيراني وازدياد التوترات الإقليمية بفعل اعتبارات الجغرافيا السياسية، والاقتصاد، وأمن الطاقة، وسعي كل دولة لتحقيق مصالحها الخاصة.
ويُبرز الكتاب الدور المحوري الذي تؤديه تركيا في المنطقة، ولا سيّما خلال الحرب السورية، مشبّهاً طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان بطموحات السلطان عبد الحميد الثاني، في سعيه إلى استعادة نفوذٍ يذكّر بالعهد العثماني.
ويشير الكاتب إلى خطابات أردوغان العدائية تجاه الدول الأوروبية، وتركيزه على الصراعات التاريخية بين أوروبا والدولة العثمانية، إلى جانب خطاباته السياسية التي يسعى من خلالها إلى تقديم نفسه ممثلاً للعالم الإسلامي، مستنداً إلى الإرث الاستعماري للإمبراطورية العثمانية. كما يسعى أردوغان إلى إيصال رسالةٍ تُظهره كوريثٍ للخلافة العثمانية، ويتّضح ذلك من خلال قيام وسائل الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية بوضع صورته إلى جانب صورة السلطان عبد الحميد الثاني، أحد أقوى سلاطين الدولة العثمانية.
ويرى الباحث أنّ صفحة الحرب الباردة لم تُطوَ بالكامل، إذ ما زال التنافس بين واشنطن وموسكو قائماً، وقد تجلّى ذلك بوضوح في الحرب السورية. ويبيّن أن استراتيجية روسيا بقيادة بوتين بين عامي 2012 و2020 تميّزت باستخدام القوة الصلبة والناعمة والذكية معاً لتحقيق أهدافها.
ويشير الكاتب الى الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وتدخّل هذا الثالوث في أزمات المنطقة، بوصفه مثلثاً استراتيجياً جديداً على الساحة الدولية. وقد شكّل هذا المحور منافساً متنامياً للولايات المتحدة الأميركية في ظل سعي واشنطن إلى الحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة الغنية بثروات النفط والغاز.











































































