اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
'خطة ترامب': إعادَة رسم الخرائط وفق مصالح 'إسرائيل'
أزهر الطوالبة
في لحظةٍ دامية من تاريخنا، تطلّ علينا 'خطة ترامب' كأنّها ثمن الهزيمة المُستحق، لا بوصفها انتصارًا سياسيًا، بل كصفقةٍ مُرّة تُفرَض على أمّةٍ جرى إنهاكُها بالحروب والانقسامات والتّنازُعات الداخليّة. ورغم كُلّ ما في هذه الخطة من جورٍ وفجورٍ سياسي، ورغم ما تحمله من إهانةٍ صريحة لحقوق شعبٍ ناضل عقودًا، فإنّها تُطرح اليوم أمام واقعٍ مأساوي، يفرض السؤال الأشدّ مرارة: هل الاستمرار في الانتحار الجماعيّ، سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا، أكرم من القبول بما يوقف كابوس التّهجير والسحق الأبديّ؟
لسنا هنا أمام خيارٍ مثاليّ، ولا أمام ورقة تفاوض مُتوازنة، بل أمام لحظةٍ كُسر فيها ظهر الإرادة العربيّة والفلسطينيّة معًا. فالخطة، كما تسرّبت بنودها، تسعى إلى إعادَة رسم خرائط الأرض والسيادة وفق ميزان قوى مائل بالكامل لصالح إسرائيل، وتقدِّم للفلسطينيين دولةً منزوعة المعنى والسيادة، مرهونة بالأمن الإسرائيليّ والاقتصاد الأمريكيّ. إنّها خطةٌ لا تعترف، فعليًا، بحقِّ العودة، ولا توقِف الاستيطان، ولا تمنح القُدس إلّا فتاتًا رمزيًا، ومع ذلك تُقدَّم على أنّها 'حلّ واقعي' يوقف الحرب الدائمة.
هنا، يشتد التمزّق الداخليّ: القلب ينزف أمام هذا الظلم، والرّوح تصرخ من فداحة التضحيات، التي أُهدِرت حتى نُحشَر إلى زاوية القبول بالحدّ الأدنى. لكن، العقل السياسيّ لا يستطيع أن يتجاهل حجم المقتلة التي تُرتكب يوميًا في غزة والضفة، ولا أن يتعامى عن مشهد الأطفال والنساء تحت الركام، ولا أن يواصل رفع شعارات المقاومة المُطلقة بينما الناس تُباد وتُهجَّر بلا أفق. إنّ إنقاذ ما تبقى من كرامة الناس وحياتهم قد يُصبح، في هذه اللحظة، أولويةً أخلاقيّة قبلَ أن يكون خيارًا سياسيًا.
إنّ ما وصلنا إليه لم يكن قَدَرًا محتومًا فحسب، بل نتيجة سنوات من الانقسام العربيّ والفلسطينيّ، وصراع المصالح الضيّقة، وتخلّي العالم عن مسؤولياته. لقد كسرنا أنفسنا قبل أن يكسرنا الآخرون، وفتحنا الأبواب للهيمنة والصفقات، حتى باتت 'خطة ترامب' تُقدَّم كخيارٍ أخير لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، بدل أن تكون ورقةً مرفوضة جملةً وتفصيلاً.
لكن، القبول بهذه الخطة –إن حدث– لا يجب أن يعني نهاية النضال أو اعترافًا بالظُلم كحق. بل قد يكون هدنةً قاسية لالتقاط الأنفاس، وتثبيت ما تبقى من الأرض والناس، ووقف نزيف الدم، ريثما تنشأ أجيال جديدة قادرة على إعادة بناء مشروعٍ وطنيٍّ جامع يستعيد الحقوق المسلوبة بوسائل أكثر حكمة وفعالية.
إننا أمام مُعادلةٍ موجعة: إمّا أن نختار استمرار الإبادة، أو نختار وقفها ولو بثمنٍ فادح. لا أحد يحتفل هنا، ولا أحد يصفّق لصفقةٍ غير عادلة. لكن صوت الضّحايا، ودماء الأطفال، يفرضان سؤالًا لا مفرّ منه: أيّهما أحقّ بالحياة اليوم، الشعارات أم الإنسان؟
لقد آن أوان أن نتوقَّف عند هذا الحد من الانتحار السياسي والجسدي. أوقفوا الإبادة أولًا، أنقذوا ما تبقّى من شعبٍ وأرضٍ وكرامة، ثم ليكُن لنا في المستقبل متّسع لاستعادة ما سُلب منا، بالحكمة لا بالمجازر. هذا هو التحدّي الأخلاقي والسياسي الذي تفرضه علينا لحظة الحقيقة القاسية.