اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
إلى رئيس الوزراء: الأردن أمام مفترق تاريخي! #عاجل
كتب احمد عبدالباسط الرجوب -
الأردن في مواجهة المصير: لماذا أصبح التحول الاقتصادي والإداري ضرورة وجودية؟
في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية عميقة، وتتصاعد فيه التحديات الاقتصادية والوجودية، يبرز الأردن كقلب نابض للاستقرار والمقاومة الصامدة.
إن الإشادة بمنهجيتكم الميدانية والجدية التي أظهرتموها منذ تولي حكومتكم مسؤوليتها هي إشادة مستحقة، فقد أصبحتم نموذجًا للحاكم القريب من هموم مواطنيه، الساعي لتحقيق الإنجاز على أرض الواقع.
الواقع الاقتصادي: أرقام صادمة وتحديات غير مسبوقة
لا يمكن الحديث عن مستقبل الأردن دون مواجهة الحقائق الاقتصادية بصراحة:
. ارتفاع البطالة إلى مستويات خطيرة، خصوصًا بين الشباب، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي.
· ارتفاع المديونية العامة التي تستنزف الموازنة وتحدّ من قدرة الدولة على الاستثمار في التنمية.
· تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تراكم الأزمات الإقليمية وتداعيات الجائحة العالمية.
هذه التحديات ليست جديدة، لكنها تفاقمت في ظل بيئة إقليمية مضطربة، لا سيما مع ما يُعرف بـ'صفقة القرن' التي تمثل تهديدًا وجوديًا للأمن القومي الأردني عبر مشاريع كـ'الوطن البديل' و'فصل الغور'.
لذلك أصبح التحول الاقتصادي والإداري ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، لتعزيز منعة الأردن داخليًا ومواجهة الضغوط الخارجية بثقة واقتدار.
الدول التي سبقتنا: دروس مستفادة من سنغافورة، ماليزيا، رواندا، وبنغلاديش
من خلال تجربتي العملية التي امتدت لعقدين في إدارة المشاريع الرأسمالية في قطر والإمارات، ومتابعة تجارب شرق آسيا، أستخلص أن الإرادة السياسية والرؤية الواضحة هما العاملان الحاسمان في تحويل الأزمات إلى فرص:
1. سنغافورة حولت جهازها الحكومي إلى آلة خدمية رشيقة عبر الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
2. ماليزيا استثمرت في المدن الاقتصادية الخاصة والتحول إلى اقتصاد تصديري منتج.
3. رواندا نفذت ثورة في رأس المال البشري، فباتت نموذجًا للشفافية وجذب الاستثمارات.
4. بنغلاديش ركزت على صناعة النسيج لتصبح من أكبر المصدّرين عالميًا.
هذه النماذج أثبتت أن الطريق إلى النجاح يبدأ بالإدارة الرشيدة والتصميم على التنفيذ، وليس بوفرة الموارد.
خطة التحول الطارئة 2026–2030:
من البيروقراطية إلى الاقتصاد المنتج (القضايا الخمسة الكبرى Big 5 Issues )
إن التحول المطلوب يجب أن يقوم على معالجة خمس قضايا رئيسية تشكل أساس بناء 'الأردن المنتج':
1. إصلاح إداري جذري: تحويل الجهاز الحكومي من بيروقراطي إلى خدمي، عبر دمج الوزارات، وتعزيز الحوكمة الإلكترونية، وتمكين هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
2. اقتصاد منتج وتنافسي: التركيز على الصناعات الدوائية والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، مع تحويل الديون إلى استثمارات منتجة.
3. الأمن المائي والغذائي: تسريع مشروع الناقل الوطني للمياه ، جعل هذا المشروع أولوية قومية عليا، مع توفير التمويل عبر شراكات القطاع العام والخاص وجذب الاستثمارات الخليجية الاستراتيجية والحد من الفاقد المائي: استثمار مكثف في تحديث شبكات المياه وتطبيق تقنيات الري الذكية في القطاع الزراعي لتقليل الفاقد الذي يتجاوز 50%.
4. مكافحة البطالة: من خلال تأسيس هيئة وطنية لمكافحة البطالة، وإطلاق مشاريع كبرى مولّدة للوظائف، وتأسيس بنك تنمية وتشغيل للشباب.
5. المنعة الاجتماعية: ترسيخ الهوية الوطنية والتصدي للخطاب المتطرف والفكر الإقصائي.
قياس الأداء والتقدم في التنفيذ (Performance Measurement)
لضمان أن لا تبقى هذه القضايا الكبرى مجرد عناوين، يجب إنشاء نظام وطني لقياس الأداء يرتكز على مؤشرات كمية ونوعية واضحة (KPIs)، تُمكّن الحكومة من تقييم التقدم المحرز كل ستة أشهر.
وتشمل المؤشرات:
1. نسبة خفض البطالة والنمو في فرص العمل.
2. مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي.
3. حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية الجديدة.
4. مدى تحسين الخدمات الحكومية ورضا المواطنين.
5. مستوى إنجاز المشاريع الكبرى ضمن الجداول الزمنية المحددة.
إن ربط الأداء بالنتائج سيجعل الإصلاح ملموسًا، ويحوّل الخطط إلى إنجازات قابلة للقياس والمساءلة.
عدم المساس بالتشريعات الناظمة للاستثمار
من الضروري التأكيد على الاستقرار التشريعي كعنصر ثقة أساسي في بيئة الأعمال.
يجب الحفاظ على القوانين والأنظمة الناظمة للاستثمار دون تعديل متكرر، إلا إذا اقتضت المرحلة تحديثًا يهدف إلى تشجيع المستثمرين وتسهيل إجراءاتهم، لا تعقيدها.
كما يُستحسن تشكيل لجنة دائمة من القطاعين العام والخاص لمراجعة التشريعات الاقتصادية وضمان اتساقها مع الممارسات العالمية في جذب الاستثمار، بما يعزز شفافية النظام القانوني وثقة المستثمرين بالبيئة الأردنية.
تأسيس محكمة الاستثمار التجارية
إن إنشاء محكمة استثمار تجارية متخصصة أصبح ضرورة وطنية لتعزيز ثقة المستثمرين وحماية أموالهم.
هذه المحكمة ينبغي أن تتبع للمجلس القضائي مباشرة، وتُعنى بالفصل السريع في النزاعات التجارية والاستثمارية، ضمن مدد زمنية محددة وواضحة، وفقًا لأفضل المعايير الدولية.
وجود مثل هذه المحكمة سيجعل الأردن وجهة آمنة وجاذبة لرؤوس الأموال، ويُظهر التزام الدولة بحماية المستثمرين وضمان العدالة الاقتصادية.
دور الحكومة الحالية: بين التحدي والفرصة
لقد أظهرت حكومتكم، دولة الرئيس، التزامًا فعليًا بالإصلاح عبر أكثر من 150 قرارًا اقتصاديًا خلال المئة يوم الأولى، والزيارات الميدانية المكثفة، والسياسات الواقعية التي توازن بين متطلبات الأمن والاقتصاد.
لكن النجاح الحقيقي يتطلب ربط هذه الجهود بخطة وطنية شاملة ذات مؤشرات أداء واضحة وجداول زمنية صارمة، مع ضمان التمويل من خلال الشراكات مع القطاع الخاص والصندوق السيادي الأردني المقترح.
الخاتمة: الأردن أقوى من التحديات
الأردن يقف اليوم أمام مفترق تاريخي:
إما الانكماش والتراجع، أو التحول الجذري نحو المستقبل.
وحكومتكم تمتلك الأدوات والإرادة، والمواطنون ينتظرون نتائج ملموسة تترجم الوعود إلى واقع.
لن يكون الطريق سهلاً، لكن التاريخ سيذكر من قاد الأردن إلى برّ الأمان وأسس لنهضة اقتصادية وإدارية راسخة تحت مظلة القيادة الهاشمية الحكيمة .... وفقكم الله وسدد خطاكملما فيه الصالح العام...
باحث ومخطط استراتيجي












































