اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
كسروك وأنكروك
رانيا عثمان النمر
في ظل ما نعيشه يوميًا من أحداث سياسية خصوصًا على صعيد غزة وما نراه من مشاهد تكاد تفقدنا العقل ونتسآل بيننا وبين أنفسنا هل هذه حقيقة أم قد سبق لنا مشاهدته في أعتى أفلام الرعب ؟!
قد يتخذ البعض منا قرار في لحظة يقين غير مريحة من باب العجز أن نبتعد ولا نتابع وأن نقفز عن مشهد مؤلم بغيض سيهز ضمائرنا وينهش انسانيتنا، لعلها حيلة دفاعية لتجنب مزيد من القهر والألم.
ومن هنا أقرر أن أعود إلى حياتي اليومية وتفاصيلها وكأن لا شئ عصف بداخلي وغيرني إلى الأبد!!!!
وبالفعل أعود إلى صالون التجميل واتجمل و اتفقد ثيابي خصوصًا الجديدة التي لم ارتديها وأحذيتي غير المريحة لكنها باهظة الثمن لأختار الأرخص لكنه الأريح
ولا بأس من زيارة عيادات التجميل للعناية بالبشرة لأزيل أي هم يظهر على شكل بشرة غير صحية (مكتمة) وأستعد للخروج مع الصديقات ثم أعود واتحضر للمناسبة القادمة خطبة او عرس او مباركة أو تهنئة أو عشاء أو أن أتشارك يوم مع أمي لزراعة الحديقة بأزهار الربيع الزاهية مع ضمان أن أظهر في أبهى حالاتي .
وأحرص على عادتي التي لازمتني وهي زيارة محل الأزهار في كل شهر لأتفقد زهرة الموسم الأكثر بهاء لاختيار الهدية المتوقعة منى وبات الكل يعرفها وهي باقات مميزة من أجمل الورود .
حسنا انتهت مراسم محاولات التقاط لحظات الفرح ومحاولة البحث عن سعادة طفيفة والتزود بوقود لأعيش حياتي الطبيعية.
لأعود في كل ليلة إلى ذاتي الحقيقية والتي تؤنب ضميري على كل ما عشت وأعيش من متع ونعم .
وتعود مشاهد المقتلة والجنون من حرق وتمزيق وأشلاء وأطراف مبتورة لأطفال ( عيونهم جميلة لم أر مثلها ) تعصف بذاكرتي وتنغص حياتي تحرق مشاعري
من منكم مثلي يعيش ذلك الصراع اليومي بين الحياة والأمل والحب والجمال والإيجابية والإيمان وبين فقدان ذلك كله في نفس اليوم والليلة.
أمام كل مشهد جميل أعيشه يقابله ما يستحضره عقلي من مشهد مرعب في غزة
مرهق ما أعيشه حقًا مرهق
وكأن محمود درويش كتبها لكل من هم مثلي يعانون لأنهم يعرفون من كسرهم وكسر غزة فكتب:
كسروكَ، كم كسروكَ كي يقفوا على ساقيك عرشا
وتقاسموك وأنكروك وخبَّأوك وأنشأوا ليديكَ جيشا
حطوكَ في حجر ٍ وقالوا: لا تُسَلِّم ورموك في بئر ٍ
وقالوا : لا تُسَلِّم وأطلْتَ حربَكَ
يا ابن أمِّي ألفَ عام ٍ ألفَ عام ٍ ألفَ عام ٍ في النهار ِ.
فأنكروكَ لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار