اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
شرعنةٌ لِلاشرعية… ومجلس أمنٍ يُمَهِّدُ لعودة الاستعمار #عاجل
كتب الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة
لا تُقاس خطورة القرارات الدولية بنصوصها المكتوبة بقدر ما تُقاس بنواياها المضمَرة ومآلاتها الواقعية. ومن هنا، فإن قرار مجلس الأمن الأخير، الذي أضفى شرعية مُصطنعة على مشروع لا شرعي، يُمثّل لحظةً فارقة في انحدار النظام الدولي إلى دركٍ غير مسبوق من الازدواجية والاستهتار بمبادئه المؤسسة. قرارٌ يُناقض الأسس التي قامت عليها الأمم المتحدة، ويهدم بيديه ما تبقّى من أوهام العدالة الدولية، ويبعث برسالة فجّة مفادها:
لا مكان للحق إذا تعارض مع القوة، ولا وزن للشرعية إذا اصطدمت بالمصالح.
إن القرار الذي جاء بضغط أمريكي غليظ وتواطؤ دولي متسلسل، لم يكتفِ بإغفال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره – وهو حقّ يتصدّر مبادئ القانون الدولي – بل تجاوزه إلى شرعنة وصاية مفروضة على غزة، وصاية تُمهّد الطريق لمرحلة استعمارية جديدة تُدار فيه الأرض المحتلة بغطاء أممي وسيف أمريكي.
كيف يمكن لمجلس الأمن، الذي وُجد ليحمي الشعوب من العدوان، أن يمنح الاحتلال تفويضًا لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية لفلسطين؟
وكيف يمكن لمنظومة دولية تدّعي حماية حقوق الإنسان أن تتحوّل إلى أداة تُجرّد الإنسان الفلسطيني من أبسط حقوقه: حقه في المقاومة، وحقه في الوجود، وحقه في ألا يُدار وطنه كما تُدار المستعمرات؟
إن ما جرى ليس قرارًا أمميًا، بل انقلاب قانوني على القانون الدولي نفسه. انقلاب تُراد له وظيفة واحدة: نزع سلاح المقاومة وتحويل غزة إلى ساحة محمية تديرها قوة 'مؤقتة” تعرف هي والعالم أنها لن تكون مؤقتة أبداً. فمنذ متى كانت الوصاية الغربية مؤقتة؟ ومنذ متى كانت القوات الدولية تدخل أرضًا محتلة لتغادر بعد 'استتباب الأمن”؟ الأمن الذي تتحدث عنه القوى الكبرى ليس أمن الفلسطيني، بل أمن المحتل.
وفي الوقت الذي فشل فيه المجلس خلال عامين كاملين في إصدار قرار واحد يوقف الإبادة، نجده اليوم يقفز إلى مشروع يُعيد صياغة الكيان السياسي لغزة، وكأنَّ مشكلتها تكمن في المقاومة لا في الاحتلال، وكأن الحل يكمن في إخضاع الفلسطيني لا في مساءلة المعتدي. هذه ليست عدالة دولية؛ هذه هندسة استعمارية بغطاء قانوني هشّ.
إن شرعية هذا القرار لا تتجاوز شرعية الورق الذي كُتب عليه. فالمشروع محكوم عليه بالفشل لأنه لا يستند إلى أي منطق، ولا يستند إلى أي قانون، ولا يمتلك أي فرصة للنجاح. كيف ينجح مشروع يقوم على إقصاء أصحاب الأرض؟
كيف يستقرّ إقليمٌ تُدار فيه الضحية كـ'ملف أمني' بينما تُترك الدولة القائمة بالاحتلال خارج النقاش والمساءلة؟
كيف يتحقق الأمن والعدل حين يُنزع السلاح من المقهور ويُترك المعتدي طليقًا؟
لقد أثبتت التجارب أنَّ أي مشروع دولي يتجاهل إرادة الشعوب محكوم عليه بالانهيار. وأي ترتيب سياسي يتجاوز الحقّ الطبيعي في المقاومة لن يحقق سوى مزيد من الفوضى. وإن هذا المشروع – مهما بدا مُحكمًا – يقوم على فراغ أخلاقي وقانوني، وسيظل عاجزًا عن إنتاج أمنٍ حقيقي أو عدلٍ دائم. فالأمن لا يُفرض بالقوة، والشرعية لا تُمنح من الخارج، والاحتلال لا يتحوّل إلى 'سلام' مهما تلثّم بقرارات أممية.
إن ما يجري اليوم هو محاولة استبدال الاستعمار القديم بوصاية جديدة، ومحاولة إعادة إنتاج المنطقة على مقاس القوى الكبرى. لكن الفلسطيني – كما قالت فرانشيسكا ألبانيز – ما زال شوكة في خاصرة المشروع الإمبريالي. موجود، ثابت، يقاوم، ويرفض الرحيل أو التطويع. وهذا وحده كفيل بإفشال كل هندسة تُبنى على تجاهل التاريخ والجغرافيا والإنسان.
ختامًا…
قد ينجح مجلس الأمن في تمرير قرار، وقد تنجح القوى الكبرى في صناعة خطاب، لكنّها لن تنجح في صناعة مستقبل لا يريده أصحاب الأرض.
وستظلّ الحقيقة ساطعة:
لا أمن بلا عدل، ولا عدل بلا حرية، ولا حرية بلا مقاومة، ولا شرعية لقرار يقف ضد حق تقرير المصير ويعيد فتح بوابة الاستعمار.
هذا القرار لن يستقر، لأنه ببساطة…
قام على باطل، واستند إلى قوة، لا إلى شرعية ولا إلى إنسانية.












































