اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
#انهيار_عمارة_إربد: الكاشفة التي عرّت الجميع
#المهندس_معاذ_الشناق – ناشط نقابي و سياسي اردني
لم يكن انهيار عمارة إربد حادثًا عابرًا في سجل الكوارث العمرانية، بل شكّل لحظة مفصلية عرّت واقعًا هشًا، وكشفت عن مواطن خلل مزمنة داخل منظومة البناء والرقابة في الأردن. هذا الانهيار لم يسقط جدرانًا فقط، بل أسقط معها أقنعة كثيرة، وأبرز حجم التقصير والتواطؤ — أحيانًا بالصمت وأحيانًا بالفعل — من جهات يفترض أنها الضامنة لسلامة الناس.
بداية، تظهر المؤسسات الرسمية في قلب المشهد، لا بصفتها منقذة، بل بصفتها غائبة عن أداء دورها الرقابي. إذ من المفترض أن تكون الجهات الرسمية — كأمانة المدينة والبلديات ووزارة الأشغال — صاحبة اليد العليا في مراجعة المخططات الإنشائية، ومتابعة التنفيذ، وإجراء الفحوصات الدورية. غير أن الواقع أثبت أن دور هذه الجهات أصبح إما شكليًا، أو محكومًا بعلاقات المجاملة والتسهيل. الأسئلة التي يطرحها الشارع الأردني بسيطة ومباشرة: أين كانت لجان التفتيش؟ وهل التزمت العمارة المنهارة بكودات البناء الوطنية؟ وإذا كانت هناك مخالفات، فلماذا لم يتم التعامل معها قبل أن تتحول إلى كارثة؟
أما القطاع الخاص، وتحديدًا شركات المقاولات والمكاتب الهندسية، فهو جزء أساسي من هذه المنظومة التي طغت عليها ثقافة الربح السريع، على حساب معايير السلامة والجودة. لا يمكن الحديث عن بناء ينهار إلا إذا كان هناك تساهل أو تقصير في التنفيذ. وفي كثير من الأحيان، يتم الضغط على المهندس المشرف لتقليص التكاليف، أو التسريع في العمل، أو التغاضي عن مخالفات واضحة، بحجة إنجاز المشروع وتسليمه في الوقت المحدد. هذه الممارسات، التي قد تُغلف بغطاء 'الخبرة'، تُعرض حياة الناس للخطر، وتخلق بيئة عمرانية غير آمنة.
ولم تكن النقابات المهنية، وعلى رأسها نقابة المهندسين، بمنأى عن النقد. فالنقابة، التي تُفترض بها الرقابة الفنية وضبط جودة العمل الهندسي، وجدت نفسها في موضع تساؤل: كيف تُمنح التراخيص وتُختم المخططات لمشاريع قد تعاني من خلل في التنفيذ أو التصميم؟ أين دور النقابة في المتابعة بعد منح الترخيص؟ وهل تملك أدوات رقابية كافية أم أن دورها يتوقف عند حدود الإجراءات الورقية؟ هذه الأسئلة تطرح بحدة، خاصة عندما يُدفع ثمن التقصير من أرواح المدنيين الأبرياء.
ولا يمكن في هذا السياق تجاهل البيئة القانونية الناظمة لقطاع البناء، والتي يبدو أنها تعاني من ثغرات قاتلة. في دول كثيرة، تُفرض مراجعة خارجية مستقلة للمباني عبر شركات تدقيق فني أو تأمين إلزامي يغطي المخاطر الهيكلية. أما في الحالة الأردنية، فإن الجهة المانحة للترخيص هي ذاتها الجهة التي تُفترض بها المتابعة، مما يفتح الباب أمام تضارب المصالح، ويُضعف من مصداقية الرقابة.
في النهاية، فإن انهيار عمارة إربد لا يجب أن يُنظر إليه كحادث معزول، بل كإنذار صريح بضرورة مراجعة شاملة وجادة لكل منظومة البناء في الأردن. إن استمرار التعامل مع السلامة العامة كملف ثانوي يعني ببساطة أن الكارثة القادمة ليست إلا مسألة وقت. المطلوب اليوم إصلاح جذري، لا يرتكز فقط على إلقاء اللوم، بل على وضع آليات فاعلة للمحاسبة، وتعزيز استقلالية الجهات الفنية، وتفعيل دور الرقابة النقابية والمجتمعية على حد سواء. فالكارثة التي كشفت الجميع، يجب أن تكون بداية مرحلة جديدة لا تكرارًا لما سبق.