اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
تحت وطأة الحرب، يتحوّل الانتحار في اليمن من حالات فردية نادرة إلى ظاهرة مأساوية مقلقة، تعكس حجم الضغوط الخانقة للمدنيين خاصة في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثيين، التي تتشابك فيها المعاناة المعيشية مع أصناف مختلفة من القمع والانتهاكات التعسفية.
وكشف تقرير حقوقي حديث، عن تزايد مخيف في عدد حالات الانتحار منذ اندلاع الحرب في العام 2015، بمعدل يتخطى أكثر من 1600 حالة سنويا، في ظل ما خلّفه النزاع من انهيار في منظومة الدعم النفسي والاجتماعي في البلد.
وقالت مؤسسة 'تمكين المرأة اليمنية'، إن معدلات الانتحار السنوية بلغت 1660 حالة، بما يوازي انتحار 5.2 لكل 100 ألف نسمة، 'بزيادة مضاعفة 3 مرات' عن معدلات ما قبل الحرب، التي وصلت في العام 2013 إلى 252 حالة انتحار.
وجوه المأساة
وبحسب تقريرها الصادر بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، تحت عنوان 'بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن'، قدّرت المؤسسة عدد حالات الانتحار المسجّلة منذ العام 2015 وحتى العام الجاري، بما يتراوح بين 13 و16 ألف حالة انتحار.
وبيّنت أن نحو 78% من الحالات وقعت في محافظات: إب وتعز وصنعاء وذمار وريمة وعمران والحديدة، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي 'نتيجة للقمع والخوف من الاعتقال والفقر الشديد وانقطاع الرواتب، والقهر الأسري الناتج عن تردّي الوضع الاقتصادي، فضلا عن العزلة الاجتماعية والانقطاع عن التعليم وانعدام الأمل'.
ويشير التقرير إلى بروز أنماط متكررة في مناطق نفوذ ميليشيا الحوثيين 'لاستخدام الخطاب الديني المُمجّد للموت لتبرير الألم والمعاناة، بدلا عن مواجهته بالعلاج والدعم'، طبقا للمؤسسة.
وأضاف، أن عمليات الابتزاز الإلكتروني والعاطفي كانت سببا مباشرا في حدوث نحو 22% من حالات انتحار النساء والفتيات، وسط انعدام القوانين الفعّالة وغياب الحماية المجتمعية؛ ما يجعل الضحايا أمام خيارين مريرين: 'الفضيحة أو الموت'.
وبحسب التقرير، فإن النساء والأطفال يمثّلون ما نسبته 40% من ضحايا الانتحار، في ظل تفكيك منظومة الحماية النفسية وانهيار شبه كلي لخدماتها؛ 'إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في البلد 60 طبيبا فقط، فيما أُغلقت أبواب نحو 80% من المراكز والعيادات المتخصصة، وتُرك الملايين يعيشون صدمات متراكمة دون علاج؛ ما أدى لانتشار الاكتئاب'.
استنزاف مزمن
وتعدّ الأمراض النفسية من أكثر الحالات الصحية شيوعا في اليمن؛ إذ يعاني نحو 8 ملايين مدني من مشاكل عقلية ونفسية واجتماعية، نتيجة الظروف الأليمة التي خلفتها سنوات النزاع المسلّح، طبقا لمنظمة الصحة العالمية.
ويقول استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، إن سنوات النزاع الطويلة في اليمن وما تُسفر عنه من صدمات 'ينتج مزيجا عميقا ومركّبا من الاضطرابات النفسية والجسدية والاجتماعية لدى المجتمع، تتفاقم تأثيراته السلبية مع عدم وجود معالجات منهجية وعدم توافر البيئة الداعمة للتعافي'.
وأكد في حديثه، أن غياب برامج الدعم والعلاج يُضاعف معدلات الاضطراب النفسي إلى أكثر من 30 ضعفا في المجتمعات غير المستقرة، 'ومن ثم فإن الاستنزاف النفسي المزمن في قمته حاليا؛ ما يخلق بيئة خصبة لانتشار عوامل الانتحار كالاكتئاب والعزلة واليأس من المستقبل، التي تُفرّغ الحياة من معناها لدى الكثير من المرضى'.
وأضاف الشرجي، أن اتساع رقعة الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وتفكك الروابط الأسرية، عوامل تفاقم الأزمة. مشيرا إلى أن تداعيات الصراع لم تعد مقتصرة على البُنى التحتية فحسب، 'بل امتدت لتمزّق التوازن النفسي للمجتمع'.