اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مدير مكتبها في لندن مارك لاندلر، قال فيه إن اتفاقية سايكس- بيكو التي مضى عليها 109 أعوام هي التي تحوم فوق الخطوات الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين.
فالمعاهدة السرية البريطانية- الفرنسية التي مضى عليها أكثر من قرن، كانت بحسب الكثيرين السبب الذي زرع الحرب والنزاع في المنطقة. فعندما أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي عن خطط بلاده الاعتراف بدولة فلسطين لو لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار، قال إن البريطانيين يعملون هذا “ويد التاريخ على أكتافهم”.
كما استعاد نظيره الفرنسي التاريخ عندما شرح موقف بلاده الذي أعلن عنه قبل أسبوع من الخطوة البريطانية. وقال إن الزعيم الفرنسي شارل ديغول دعا إلى وضع حد للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يقوم على “اعتراف بدولة كل طرف”. لكن أيا منهما ذكر اتفاقية سايكس- بيكو، وهي الاتفاقية السرية بين البلدين في عام 1916 حيث اتفقت الدولتان الاستعماريتان على تقسيم ميراث الدولة العثمانية في منطقة المشرق العربي، ولكن لماذا يجب عليهما الحديث عن سايكس- بيكو؟ يتساءل لاندلر.
فسايكس- بيكو في نظر المؤرخين هي مثال عن الغطرسة الاستعمارية الأوروبية، وهي محاولة أنانية لإعادة رسم الحدود التي قسمت المجتمعات الدينية والإثنية والقبلية، في الولايات العربية فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق. ويعتقد الكثير من العرب أن المعاهدة هي خيانة أدت إلى النزاع وسفك الدماء.
وقال لاندلر إن الأزمة الحقيقية التي تتكشف في غزة، الأطفال الجوعى ومنع إسرائيل للمساعدات الإنسانية وقتل الفلسطينيين وهم يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية، كانت عوامل مهمة في قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن قرارهما عكس ضوء على الدور المريب للدولتين بالمنطقة التي تنافستا عليها مرة.
ونقلت الصحيفة عن أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة أوكسفورد، يوجين روغان قوله: “للتاريخ علاقة، ودائما توجد فرصة للاعبين التاريخيين الذي تسببوا في الفوضى لتصحيح أخطائهم”. وأثنى روغان على قرار بريطانيا وفرنسا الاعتراف بدولة فلسطين لأسباب تتعلق بالماضي والحاضر. وفي المسار الحالي الذي تمضي به إسرائيل، فإنها فتحت بابا للمعاملة التي لم يتخيلها أحد للفلسطينيين والتهجير من غزة أو أسوأ، ومن هنا فالاعتراف بدولة فلسطين في مصلحة إسرائيل هو مخرج إلى “شكل من التعايش؛ لأن هذا غير مستدام”.
وفي حديثه أمام الأمم المتحدة، أشار لامي إلى وثيقة عمرها أكثر من قرن وهي وعد بلفور والذي أعلن بعد عام من اتفاقية سايكس- بيكو السرية والتي صادقت فيها بريطانيا على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وبعد 21 شهرا من القصف المستمر على غزة ومنظور المجاعة في عموم القطاع، قال لامي إن بريطانيا تتحمل مسؤولية للتصرف نيابة عن سكانها المضطهدين منذ وقت طويل، أي الفلسطينيين.
ويعلق روغان، مؤلف كتاب “العرب: تاريخ” أن “نقاشه هو أن الوقت قد حان للوفاء بنصف ذلك الوعد”، مضيفا أنه في “زمن وعد بلفور”، “كانت بريطانيا إمبراطورية واسعة، حيث لم تتخيل أنها ستخسر، لكن ديفيد لامي يتحرك في بريطانيا ما بعد الhستعمار وما بعد أوروبا، لكنه “يستخدم التاريخ كعامل شرعي”.
وقال لامي إن بريطانيا يحق لها أن تفخر بـ”إسهامها في إرساء أسس وطن للشعب اليهودي”. ومع ذلك، أشار البروفيسور روغان إلى أن دافع بريطانيا في دعم ما أصبح لاحقا إسرائيل، لم يكن أخلاقيا بقدر ما كان استراتيجيًا. فقد كانت تسعى إلى إيجاد مجتمع تابع لها في فلسطين يمنع وقوعها في أيدي العدو. وكانت لندن تخشى أن تُستخدم هذه الأراضي كنقطة انطلاق لهجمات على قناة السويس، التي كانت آنذاك تحت سيطرة بريطانيا.
علاوة على ذلك، تراجعت بريطانيا عن موقفها المؤيد للصهيونية. إذ وجدت صعوبة في التوفيق بين قيام دولة يهودية والحفاظ على علاقاتها مع العالم العربي. وفي وثيقة لاحقة، هي الكتاب الأبيض لعام 1939، اقترحت بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود داخل دولة فلسطينية ذات أغلبية عربية، وتحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بـ75,000 شخص لمدة خمس سنوات.
ونقلت الصحيفة عن مايكل ب. أورين، المؤرخ الإسرائيلي- الأمريكي الذي شغل منصب سفير إسرائيل في واشنطن، ثم نائب وزير في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إن قرار فرنسا وبريطانيا لن يسرع في نهاية الحرب في غزة بل سيطيل أمدها. وزعم أن منح هذا التنازل للفلسطينيين، هو بمثابة منح حافز للموافقة على وقف إطلاق النار.
واتهم الدولتين المستعمرتين السابقتين، بأنها تريدان التحول إلى قوى شرق أوسطية من جديد. ويجادل آخرون بأنه لو لم يكن لهذه التحركات أي تأثير، لما أثارت ردود الفعل الغاضبة من نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين. إن إضافة بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى كندا ومالطا، اللتين أعلنتا الأسبوع الماضي أنهما ستدعمان أيضا الاعتراف في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ستكون قد اعترفت بدولة فلسطينية.
ويعلق لاندلر أن فرنسا كانت لها مصلحة أقل في فلسطين من بريطانيا بعد تنازلها عن مطالبها في معاهدة سايكس- بيكو. لكن تحركها نحو الاعتراف بفلسطين يمثل منعطفا مصيريا آخر في علاقتها بإسرائيل. فمن عام 1945 إلى عام 1967، كانت فرنسا أكبر داعم لإسرائيل في الغرب. ويعود جزء من ذلك إلى تجربتها المؤلمة في إنهاء الاستعمار.
ففي عام 1954، واجهت فرنسا انتفاضة مناهضة لها في الجزائر، حيث حظي الثوار الجزائريون بدعم من الرئيس المصري، جمال عبد الناصر. ومن هنا، فقد تعاملت فرنسا مع إسرائيل كحصن منيع ضد ناصر. وقد اقتربت منها، وزودتها بطائرات ميراج المقاتلة والتكنولوجيا النووية التي أصبحت أساس برنامجها غير المعلن للأسلحة النووية.
ولكن في عام 1967، قبل أيام من شن إسرائيل ضربة عسكرية ضد مصر، فرض ديغول، رئيس فرنسا آنذاك، حظرا على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، وحوّل نظره إلى الدول العربية. وأصبحت فرنسا أول دولة غربية تقيم علاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الفلسطينيين دوليا ويقودها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ويرى جيرار أرو، الذي شغل منصف سفير فرنسا في إسرائيل ما بين 2003- 2006 أن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة لماكرون. ففرنسا تضم أكبر جاليتين يهودية وأخرى إسلامية في أوروبا الغربية. وقد كانت فرنسا عرضة لسلسلة من الهجمات التي نفذها إسلاميون متشددون.
ومن خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهناك حاجة لأن تعترف فرنسا وبريطانيا بتراجع نفوذهما على منطقة حكمتاها ذات يوم. ويقول أرو: “لم يدرك أي من البلدين أن عصر الاستعمار قد انتهى. لقد تصرفا كما لو أنهما لا يزالان يتمتعان بالسلطة المطلقة. إنها ليست الصفحة الأكثر بياضا في التاريخ لأي من البلدين”.