اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الاعتماد المتبادل وتحوّلات الشرق الأوسط: قراءة في دلالات دخول نتنياهو الأراضي السورية
تُظهر تجربة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة أن الدول لم تعد كيانات مستقلة منعزلة عن محيطها، بل أصبحت ترتبط فيما بينها عبر شبكة معقدة من المصالح والتفاعلات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبناءا على ما سبق فإن نظرية الاعتماد المتبادل تعتمد على هذا الفهم، معتبرة أن الأحداث داخل دولة ما لم تعد محصورة ضمن حدودها، بل تمتد تأثيراتها إلى جيرانها والمنظومة الإقليمية بأكملها، أحياناً كفرصة لتخفيف الصراعات، وأحياناً كعامل توتر يستغله الفاعلون الأقوى لفرض واقع جديد؛ ويبرز هذا بوضوح في التطورات الأخيرة، لا سيما بعد دخول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفقة وزير دفاعه وعدد من كبار المسؤولين والضباط إلى جنوب الأراضي السورية، وإجراء سلسلة من المناقشات الأمنية التي تتجاوز البعد الميداني لتشكّل إشارة استراتيجية لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة.
فمن خلال هذا التحرك، أراد كيان الإحتلال التأكيد على قدرته على المناورة داخل ساحات عربية متعددة، مستفيداً من تفكك النظام الإقليمي وضعف التنسيق بين الدول العربية؛ والجغرافيا السورية، بما تمثله من عقدة أمنية واستراتيجية، تعتبر إحدى الساحات التي تعكس طبيعة الاعتماد المتبادل السلبي في المنطقة، حيث إن أي اختراق إسرائيلي داخل سوريا لا يبقى محصوراً في حدودها، بل يترك تأثيراً مباشراً على الأردن ولبنان والعراق والخليج العربي ككل، ويعيد تعريف موازين القوى مع إيران! الكيان يدرك هذا الترابط جيداً، ويوظفه لتعزيز نفوذه الإقليمي وتوسيع مساحة الحركة أمام مشروعه الاستراتيجي.
وهذا النوع من السلوك ليس استثناءً في النظام الدولي، بل يعكس طبيعة العلاقات الحديثة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر العلاقة بين الصين والولايات المتحدة مثال بارز على هذا الترابط المعقد، إذ إن الحرب التجارية بينهما عام 2018 لم تؤثر فقط على اقتصاد البلدين، بل أصابت الأسواق العالمية بالاضطراب وأجبرت الدول الأوروبية والآسيوية والمكسيك والهند على إعادة حساباتها الاقتصادية، وهذه الحالة تكشف كيف يمكن لتوتر محدود بين قوتين أن يتحول إلى أزمة كونية بفعل الاعتماد المتبادل.
وينطبق الأمر ذاته على تجربة الاتحاد الأوروبي حين واجهت اليونان أزمة حادة عام 2015، فخطر انهيار الاقتصاد اليوناني لم يكن حدثاً محلياً، بل تهديداً وجودياً لمنظومة الاتحاد بأكملها، لأن التشابك المالي بين الدول الأوروبية جعل سقوط دولة واحدة بمثابة كرة ثلج تهدد دولاً أخرى كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وهكذا تحول الاعتماد المتبادل إلى آلية إنقاذ للدولة من خلال تدخل جماعي لتفادي انهيار أوسع.
أما الحرب الروسية–الأوكرانية فهي أحد أبرز الأمثلة على كيفية تحوّل صراع محلي إلى أزمة دولية واسعة. فتعطل الغاز الروسي أدى إلى شلل في أوروبا، وارتفاع أسعار القمح ضرب دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، فيما ارتفعت أسعار النفط في كل أنحاء العالم. كل ذلك صور واضحة عن عالم مترابط لا يستطيع فيه أي طرف الهروب من تداعيات حرب تجري على بعد آلاف الكيلومترات!.
هذه الأمثلة العالمية تقدم خلفية ضرورية لفهم دلالات زيارة نتنياهو للأراضي السورية، فالتحرك الإسرائيلي ليس مجرد قراءة داخلية للصراع، بل توظيف لبيئة عربية تعاني من انقسامات حادة، ما يجعل أي تطور داخل سوريا قادراً على التأثير في منظومة الأمن الإقليمي برمته. وكيان الإحتلال، الذي يدرك هشاشة هذا الترابط، يحاول إعادة صياغة خرائط النفوذ بما يخدم مشروعه الاستراتيجي في فلسطين وسوريا ولبنان، ويزيد الضغط على الأردن، ويضعف قدرة الدول العربية على تشكيل جبهة مشتركة!.
إن ما يجري اليوم يعيد المنطقة إلى معادلة واضحة: الاعتماد المتبادل حقيقة لا يمكن تجاهلها، لكنها تصبح خطراً حين تُترك بلا إدارة سياسية واعية. فالزيارة الإسرائيلية الأخيرة تكشف حجم العجز العربي في مواجهة التمدد الإسرائيلي، وتؤكد أن الطرف الأكثر تنظيماً هو الذي يحدد مسار الأحداث. وفي ظل غياب استراتيجية عربية شاملة، تبقى الساحات العربية مكشوفة أمام التحركات الخارجية، بينما تتحول هذه التحركات إلى وقائع سياسية جديدة يصعب تغييرها لاحقاً.
علاوة على ذلك فإن مواجهة هذا الواقع تتطلب إعادة بناء منظومة عربية تستثمر الاعتماد المتبادل لصالحها بدلاً من أن تتحول إلى ضحيته، وتعيد التوازن إلى الإقليم عبر رؤى مشتركة في الأمن والسياسة والاقتصاد؛ أما ترك الأمور على حالها، فسيعني استمرار القوى الخارجية –وفي مقدمتها كيان الاحتلال– في رسم مستقبل المنطقة بعيداً عن الإرادة العربية!.












































