اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٣ أيلول ٢٠٢٥
الملك عبد الله الثاني والدولة الفلسطينية: رؤية استراتيجية للسلام العادل
د. خالد العاص
تحتل القضية الفلسطينية قلب السياسة الأردنية، حاضرة بلا غياب في أجندة جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي يؤكد أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليست مجرد مطلب فلسطيني داخلي، بل تشكّل ركيزة استراتيجية لضمان أمن المنطقة واستقرارها. هذه الرؤية الملكية تتجاوز المواقف التقليدية لتقدّم قراءة معمقة لواقع المنطقة ومستقبلها، مبنية على إدراك أن أمن الأردن والمنطقة مرتبط ارتباطًا وثيق بتحقيق العدالة للفلسطينيين.
منذ توليه العرش، قاد جلالة الملك الجهد الأردني على الساحة الدولية بأسلوب يجمع بين الدبلوماسية الحازمة والحوار الاستراتيجي. ففي خطبه المتكررة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد على أن 'غياب العدالة عن الشعب الفلسطيني هو أصل كل اضطراب في المنطقة'، مؤكّدًا أن الاعتراف بدولة فلسطين هو الطريق الأمثل لقطع الطريق أمام دوامة العنف والصراعات المستقبلية. وقد كرر هذا الموقف خلال لقاءاته مع قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، محذرًا من أن استمرار السياسات الأحادية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية قد يؤدي إلى 'تفجير صراعات جديدة لن يسلم منها أحد'.
ولا يقتصر الدور الأردني بقيادة جلالة الملك على الخطابات الرسمية، بل يشمل ممارسة ضغط فعلي على مراكز القرار الدولية. ففي زيارته الأخيرة إلى واشنطن في أيلول 2025، أصدر تحذيرًا صريحًا من 'التبعات الكارثية' للتوسع العسكري الإسرائيلي في غزة، معتبرًا أن مثل هذه السياسات ستضاعف المأساة الإنسانية وتفتح الباب أمام موجات تطرف جديدة تهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم. وفي الوقت نفسه، شدد على أن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية يُشكّل 'نسفًا ممنهجًا' لفرص حل الدولتين.
وعلى الصعيد العربي والإسلامي، عمل جلالته على توحيد الصفوف وتعزيز الموقف الموحد تجاه القدس، مستندًا إلى الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. هذه الوصاية ليست رمزية فحسب، بل أداة سياسية ودينية تحافظ على هوية المدينة، وتمنح الأردن دورًا محوريًا في أي نقاش يتعلق بمستقبلها، وهو ما يعكس قدرة جلالة الملك على الموازنة بين الضغوط الإقليمية والدولية دون التفريط في الثوابت الوطنية والقومية.
كما ربط جلالته بين البعد السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن نجاح الدولة المستقلة لن يتحقق دون حماية الشعب الفلسطيني، وضمان تدفق المساعدات، ووقف الانتهاكات، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب، خصوصًا في قطاع غزة. هذا المزيج من السياسة والإنسانية يعكس رؤية شاملة ومتكاملة لجلالة الملك، تتعامل مع القضية الفلسطينية ليس كمطلب سياسي فحسب، بل كمسؤولية أخلاقية واستراتيجية.
إن جهود جلالة الملك تتجاوز الخطاب إلى إستراتيجية عملية للضغط على المجتمع الدولي لتحقيق الاعتراف الفعلي بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعزز مكانة الأردن كـ 'صوت عربي وازن'، يحافظ على حيوية القضية الفلسطينية في الأجندة الدولية ويمنع تهميشها رغم الانشغال العالمي بأزمات أخرى.
من هذا المنظور، يظهر جلالة الملك عبد الله الثاني ليس فقط كمدافع عن الحقوق الفلسطينية، بل كقائد استراتيجي يرى في الاعتراف بالدولة الفلسطينية حجر الزاوية لأمن المنطقة. إن إصراره المتواصل على هذا المبدأ يجعل الأردن لاعبًا مركزيًا وموثوقًا لا غنى عنه في معادلة الشرق الأوسط، ويكرّس دوره كضامن للسلام العادل والشامل.