اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
الجدال بالحق يهدف الى كشف الحقائق، ودفع الشبه ،والتقريب بين وجهات النظر ،ويكون لدى الطرفين النية الصادقة والغرض الشريف للوصول للحق ، وبالوقت ذاته يكون لدى المجادل بالحق دافع المحبة والخوف على من يجادله، ذلك ما دل عليه قول شعيب عليه السلام في سورة هود { ويا قومي لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد'89 ' )،وهكذا كان جدال الانبياء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واصحابه ومن تبعهم بإحسان، فليس لدى أي منهم غرض لتأجيج الصراع ،ولا إظهار التعالي على من قامت الحجة ضده، بقصد إذلاله وإحراجه ،وإنما إظهارا للحق وإسقاطا للواجب، وإحسانا إلى الخلق ، والحسنى تعني التلطف والمحبة وبذل الخير للأخرين، ليستفيدوا منه كما استفاد هو ،دون أن يبتغي الداعي الى الله جزاء ولا شكورا ، وتحقيق ذلك قال تعالى :{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [ سورة النحل]، وكذلك قال تعالى {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن }[العنكبوت ] وكذلك قال تعالى : (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير .) [المجادلة ] إذا الحوار مشروع، وقد يتطور إلى المجادلة، ولكن يكون الغرض منه هو الوصول إلى الحق، أما الظالم فإنه لا يريد الجدال إلا من أجل الجدال، ولذلك يتحول إلى الشقاق ثم المحادة.
(فالجدال بالباطل كبر لان الباطل لا حقيقة له، أما دحض الباطل بالمجادلة فهو ليس كبرا لأنه حق، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأصحابه أسوة حسنة، لقد كانوا يجادلون لدحض الباطل ويثبتون على ذلك ويصرون عليه ،ولا يسمى ذلك كبرا، وإنما هو عزة وشدة على الحق، فالموقف من حيث الثابت واحد لكن نتائجه مختلفة، الجدال بالباطل يضل الناس ويهلكهم، والجدل بالحق يهدي الناس وينجيهم، وشتان بين الأمرين، وإن تشابها في بعض الوجوه.)[1 ]
وتحقيق ذلك قال تعالى : (ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ)
[سورة النحل 125] وكما أخبرنا القرآن عن الذين يجادلون بالحق لدحض الباطل، كذلك أخبرنا عن الذين يجادلون بالباطل، لدحض الحق ، قال تعالى : (إِنَّ ٱلَّذِینَ یُجَاٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَاتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِی صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٌ مَّا هُم بِبَالِغِیهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ)[سورة غافر 65 ]
وقال تعالى :(وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوًّا مُّبِینًا) [سورة الإسراء 53]
وحتى ننزل هذا الوضع على واقعنا ،ينبغي أن نفرق بين من يتمسك بحقه ويتمسك بالثوابت المشروعة ويسعى الى الحصول على حقوقه السياسية ،والاجتماعية كمواطن وبحسب مبدا التنافس الشريف، وتكافؤ الفرص ،وبين من يعتقد بأن لهم الحق الإلهي لا لانهم يستحقون ذلك، بل لانه ينتمي إلى زيد أو عمر ،ونفرق كذلك بين من يسعى لتطوير نفسه بما يقره العرف والقانون، وبين من يسعى لاستعمار الآخرين ونهب ثرواتهم ،فما يفعله الإسرائيليون في فلسطين هو تكبر وطغيان واحتلال لأرض الغير .
- من أهم النماذج حوار الله مع إبليس :
ومن أعظم النماذج التي تبين لنا الجدال بالحق والجدال بالباطل، ما قصه لنا القرآن
من قصة آدم مع إبليس، وحوار الله معه في سبعة مواضع في (البقرة ،والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، وطه، وص. ) ودلت تلك المواقف الحوارية أن إبليس تكبر وليس مجرد خطأ، وإنما خطيئة عظيمة أحاطت به، لقد تكبر على الله وليس على آدم فحسب، دل على ذلك من عدة وجوه ،لقد أعطاه الله الفرصة أن يعتذر أو يتراجع ،في ثلاث مرات ، في سورة الأعراف ،والحجر ،وص، وذلك على هذا النحو : قال تعالى : الأولى ( ما منعك ألا تسجد ) ،وفي الثانية قال : (مالك ألا تكون مع السجدين) وفي الثالثة قال :( ما منعك أن تسجد )، وفي كل مرة يزداد عنادا وتكبراً وإصرارا، حتى حول الحوار إلى الجدل، ثم من الجدال إلى الشقاق ،ثم من الشقاق الى المحادة والتحدي ،وما من شك أن هذه التجربة تعطينا إشارات ،الى الأونوع المختلفة من الجدل ،فمع أن الله كان يوضح له خصائص آدم ،ويعطيه مبررا بأنه يستحق أن يسجد له، إلى درجة أن الله يلفت انتباهه بأنه خلق آدم بيديه ( مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ،) أي بكلتا اليدين وليست بيد واحدة، فزيادة المبنى يدل على زيادة المعنى - فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء - فقد سجدت له الملائكة وتفهمت هذ الاستحقاق ،إلا أنه كما وصفه الله أبى واستكبر ،يتضح ذلك من سورة ص (إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَاىِٕكَةِ إِنِّی خَاٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن طِینٍ فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَاٰجِدِینَ فَسَجَدَ ٱلۡمَلَاىِٕكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَافِرِینَ قَالَ یَاإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ قَالَ أَنَا۠ خَیۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینٍ قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِیمٌ وَإِنَّ عَلَیۡكَ لَعۡنَتِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلدِّینِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ) إلى أخر السورة [سورة ص 71 - 83]
وهذا هو أصعب أنواع الجدل، وخاصة حين يكون أحد أطراف الجدال يريد الحق، ويقدم كل ما بوسعه للدلالة عليه، والطرف المقابل، ليس لديه النية التوصل إلى قواسم مشتركة ،وغير موافق الاحتكام إلى إلى الحق عند ظهور الحجة، وإنما يريد الجدال من أجل الجدال، وحين يشعر بأن الحجة عليه يتهرب، ويحول الجدال إلى المشاقة والتحدي، وفي هذه الحالة، وخاصة حين يفتقد الجدل إلى مرجعية يحتكم عليها، فالأفضل لصاحب الحق ،عدم الخوض في هذا النوع من الجدل، فهو إهدار لوقته، وإهدار لوقت المستمع، كما هو الحال في غالب الحوارات التي تتناولها القنوات فهي لا تعدوا أن تكون ،تسجيل مواقف، وتحيز لطرف ضد الطرف الآخر، فلا تقام لاظهار حق، أو ابطال باطل أو تصحيح مفهوم نسأل الله السلامة، وهذا كله يرجع الى الاستخفاف بثقافة العامة وضعف التعليم، وإلا ما كان لمثل هذه المهاترات أن تعقد .
هوامش :
[1 - انظر اجتثاث ثقافة الكبر سيف العسلي وكالة خبر تأملات رمضانية في القرآن (9 ( ]