اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
الوجه الآخر للمساعدات الإنسانيّة.. وما الذي يجب فعله؟! #عاجل
كتب كمال ميرزا -
بالنسبة للكيان الصهيونيّ ومن خلفه أمريكا، كلّ شيء هو جزء من 'المجهود الحربيّ'، بما في ذلك الجهود الإغاثيّة والمساعدات الإنسانيّة التي يتم استغلالها حاليّاً كسلاح آخر من أسلحة حرب 'الإبادة والتهجير' التي تُشنّ على أهالي غزّة.
وكعادتهما، فإنّ الكيان وراعيته الأكبر أمريكا يحاولان استغلال أي ورقة يلعبانها إلى الحدّ الأقصى، وضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
فمن ناحية، سماح الكيان بدخول بعض المساعدات إن برّاً، أو عبر إنزالات جويّة، هي محاولة لنفي استخدامه الممنهج لسلاح التجويع بصورة تتيح له ـ للمفارقة ـ الاستمرار في استخدام سلاح التجويع!
ومن ناحية ثانية، السماح بدخول هذه المساعدات يمنح الكيان شواهد وقرائن يمكن أن يستخدمها في الدفاع عن نفسه ضدّ أي تحرّك قانونيّ يمكن أن يتعرّض له الآن وفي المستقبل، وبما يعزّز السرديّة الكاذبة التي يروّجها ويحاول الاختباء وراءها: نحن لا نحاصر أهالي غزّة، نحن نحاصر حماس.. نحن لا نمنع الغذاء عن أهالي غزّة، نحن لا نريد أن نغذّي حماس.. نحن لا نحجب المساعدات عن أهالي غزّة، نحن نحجبها عن حماس!
ومن ناحية ثالثة، سماح الكيان بدخول المساعدات 'الشحيحة' بالطريقة التي تدخل بها، من شأنه تكريس حالة الانفلات والنهب والاستغلال والسخط واليأس بما يخدم الغاية الخبيثة الراميّة إلى سحب البساط من تحت فصائل المقاومة، وتقويض حكمها وسلطتها وإمساكها بزمام الإدارة والنظام والأمن داخل القطاع، وتمكين العملاء والمرتزقة واللصوص وقطّاع الطرق الذين يدعمهم العدو ليكونوا سلطة بديلة، وتمكين مصاصي الدماء من تجّار الحروب من أجل سحب النقود من جيوب الناس عبر الأسعار الفلكيّة، وتجفيف غزّة من السيولة بما يقوّض أكثر وأكثر قدرة الناس على الصمود والاستمرار.
ومن ناحية رابعة، الطريقة التي يدير بها الكيان مسألة 'المساعدات' هي محاولة رخيصة لابتزاز أهالي غزّة بسيف الأمر الواقع، وإجبارهم على النزوح إلى مناطق ونقاط ومراكز 'آمنة' للحصول على المساعدات بهدف تفريغ القطاع، وكشف ظهر المقاومين، وتمهيداً إلى تهجير الأهالي إلى خارج القطاع في مرحلة لاحقة.
ومن ناحية خامسة، خلق لغط وجدل وخلاف وانقسام حول مسألة المساعدات من شأنه لفت الأنظار، وتشتيت التركيز، وإزاحة جرائم العدو وممارساته ومخططاته عن الأضواء وبؤرة الاهتمام، وإلهاء الإعلام والناس في معارك جانبيّة، وإغراق الفضاء التواصليّ بمزيد من المهاترات والمناكفات والضغائن التي تغذّيها الأقلام المأجورة والذباب الإلكترونيّ.
وفي مقابل ذلك كلّه، نجد الدول العربيّة والإسلاميّة المنخرطة في موضوع المساعدات والإغاثة معنيّةً بالدرجة الأولى بالجانب الإعلاميّ والدعائيّ للموضوع، ومحاولة فرض رواية واحدة ورأي أوحد تجاه المسألة، مُغفِلةً من حيث تدري ولا تدري الاعتبارات التالية:
أولاً: ما يسمح الكيان بإدخاله أو إنزاله من مساعدات يشكّل النذر اليسير من حاجة سكّان القطاع، أو 'من الجمل إذنه' كما يقول التعبير الدارج، حيث تشير التقارير إلى أنّ حاجة القطاع الفعليّة تتراوح بين 500 إلى 700 شاحنة يوميّاً.
ثانياً: موضوع الإغاثة لا يقتصر على إيصال المساعدات إلى قطاع غزّة والسلام.. فكيفية إيصال هذه المساعدات؟ وإلى مَن ستصل؟ وكيف سيستلمها؟ وأين سيوزعها؟ وكيف سيقوم بتوزيعها؟ كلّ هذه جوانب أساسيّة في مسألة المساعدات ينبغي أن تكون معروفة ومحسومة ومحسوب حسابها سلفاً.
ثالثاً: الاكتفاء بإيصال المساعدات إلى القطاع، ومن ثمّ ترك المسألة للظروف أو للأمر الواقع على الأرض ليوزّعها ويتصرّف بها كيفما يشاء، هذا من شأنه إلحاق ضرر بأهالي غزّة وصمودهم بما يفوق الفائدة المرجوّة من إدخال هذه المساعدات ابتداءً!
رابعاً: إيصال المساعدات وتسليمها إلى جهات أخرى يجيزها العدو ويباركها، بخلاف حكومة القطاع الشرعيّة، وبخلاف المؤسسات الأمميّة المعنيّة وفي مقدّمتها وكالة الغوث/ الانروا، هذا من شأنه خدمة أجندات العدو وخططه، سواء من حيث استخدام المساعدات كأداة للابتزاز ومصائد موت، أو من حيث مساعيه لتصفية الانروا كجزء من مساعيه الحثيثة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة برمّتها.
هل يعني الكلام أعلاه أن تتوقف الأنظمة العربية والإسلاميّة المنهمكة في جهود إيصال المساعدات الإنسانية عن القيام بدورها؟!
الإجابة قطعاً لا، فكلّ حبّة طحين أو ذرّة حليب أو حبّة دواء تدخل إلى القطاع هي من حيث المبدأ 'خير وبركة'، وتساهم بصورة من الصور في تخفيف معاناة أهلنا وتعزيز صمودهم..
الفكرة هنا أنّ إيصال المساعدات فقط، إيصال المساعدات وحسب، إيصال المساعدات ونقطة.. هو مجرد 'إجراء تلطيفيّ'!
ولكي تُؤتي هذه المساعدات أُكُلها حقّاً، ولكي تكون نُصرةً حقيقيّةً لأهالي غزّة والقضيّة الفلسطينيّة، وعوناً حقيقيّاً من أجل البقاء والثبات والصمود في وجه مخطّطات الإبادة والتهجير، وكسراً حقيقيّاً للحصار والتجويع.. فينبغي أن تأتي هذه المساعدات في إطار حِراك عربيّ وإسلاميّ كامل متكامل يشمل أيضاً:
ـ إلغاء كافة المعاهدات والاتفاقيات والتفاهمات الموقّعة (أو المزمعة) مع الكيان الصهيونيّ (أو تجميدها كأضعف الإيمان)، ووقف كافة أشكال العلاقات والتطبيع والتبادل التجاريّ وحركة المسافرين مع هذا الكيان.
ـ الاعتراف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة كحركات تحرّر وطني مشروعة.
ـ إعلان كسر الحصار من طرف واحد إذا اقتضت الضرورة، والوقوف وراء الدول العربيّة المعنيّة (مصر في المقام الأول ومن ثمّ الأردن) من أجل تسيير قوافل الإغاثة والمساعدات اللازمة عنوةً، واعتبار أي تعرّض لهذه القوافل بمثابة أعمال عدائيّة أو إعلان للحرب على الدول العربيّة والإسلاميّة مجتمعة.
ـ إنشاء صندوق سياديّ بإدارة قوميّة للإغاثة والمساعدة يكون مفتوحاً أمام مساهمة الأفراد والعامّة، وصندوق آخر مستدام لإعادة الإعمار.
يقول الحديث النبويّ المأثور: 'اتّقوا الله ولو بشقّ تمرة'، وبالمثل، فلننصر غزّة ولو بشقّ تمرة، ولكن هذا لا يُلغي أنّه ينبغي علينا أن نعقل ونتوكّل ونستنفد الوسع من أجل إنزال التمرة منزلها الصحيح وبالطريقة الصحيحة!