اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إرسال قوة دولية مع دبلوماسية مستدامة وضغط مالي والتلويح بعقوبات
فيما نقلت وكالة 'رويترز' عن مصادر لها أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتدخل شخصياً في المساعدة لإنهاء الحرب في السودان وكسر الجمود في المحادثات، بدا أن الضغوط الخارجية والداخلية تتزايد على الرئيس الأميركي الذي يقدم نفسه كصانع سلام، ويسعى إلى نيل جائزة نوبل عن إنجازاته في معالجة النزاعات العالمية، خصوصاً بعد المجازر الدموية التي شهدتها مدينة الفاشر، عاصمة دارفور، التي سيطرت عليها قوات 'الدعم السريع' أخيراً بالكامل، فهل تجعل أميركا قضية الحرب في السودان أولوية لها؟ وما الذي ينبغي على الرئيس ترمب أن يفعله لوقف الاقتتال بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب؟
طوال عام 2025 فشلت محادثات سلام مختلفة في عواصم متعددة من بينها لندن وواشنطن وجنيف لحل الأزمة السودانية، كما ألغي اجتماع مقترح لوزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات في يوليو (تموز) الماضي، بسبب خلافات حول صياغة بيان مشترك كان من شأنه أن يسمح بدور للقوات الحكومية السودانية في مستقبل البلاد، لكن الأمور قد تبدو مختلفة في عام 2026، فقد أبدى الرئيس ترمب، الذي نجح في إنهاء الصراع في غزة، وتمكنت إدارته في التوسط في هدنة بين رواندا والكونغو، اهتماماً بإمكان تحقيق اتفاق سلام في السودان، بعدما تطورت الحرب الأهلية في البلاد لتصبح الأكبر والأكثر تدميراً في العالم.
ويعود سبب الاهتمام بدور أميركي فاعل يمنح السودان أولوية على أجندة ترمب إلى التحولات المتسارعة خلال الأسابيع الماضية التي أعادت للأذهان الانتهاكات الإنسانية والمجازر والتطهير العرقي في دارفور قبل أكثر من 20 سنة، ومنذ استعادة القوات المسلحة السودانية للعاصمة الخرطوم في مارس (آذار) الماضي التي كانت نقطة تحول، عاد على إثرها نحو نصف مليون شخص للمدينة في شهر يوليو وحده، سادت نبرة تفاؤل بين القوات المسلحة السودانية وأنصارها، لدرجة أن بعضاً منهم توقع أن الجيش قد يوجه قريباً ضربة قاضية لقوات 'الدعم السريع'، وهي المجموعة شبه العسكرية التي تنافسها على السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.
غير أن قوات 'الدعم السريع' التي استعادت زخمها، ونظمت صفوفها في إقليم دارفور الذي تسيطر عليه، سرعان ما ردت بقوة أكبر مما توقعه حتى المتشائمون، بعد تزويدها بطائرات مسيرة، ذكرت بعض التقارير أنها وصلت إليها بمساعدة الإمارات، وهو ما نفته أبو ظبي بشدة، بل ودانت قصف 'الدعم السريع' لميناء بورتسودان الذي يعد بمثابة العاصمة الفعلية للبلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2023.
وعلى رغم أن هذا التصعيد زاد من المخاوف السائدة أصلاً من تحول الحرب إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً، إلا أن ما ضاعف الإلحاح الإقليمي والدولي لتدخل أميركي عاجل، هو ارتكاب 'الدعم السريع' التي يقودها محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، بعضاً من أكثر المجازر دموية خلال قرابة ثلاث سنوات من الحرب، إذ جرى ذبح مدنيين معظمهم من جماعات عرقية أفريقية محلية وقتل مئات في غارات شنتها قوات 'الدعم السريع' على قرى في كردفان، وهو ما أشار إليه مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة 'ييل' الأميركية، الذي يراقب الفاشر عبر الأقمار الاصطناعية وأصدر تحذيرات متزايدة منذ أشهر، بأكوام من الجثث غير المدفونة، وأدلة على برك من الدماء، جميعها مرئية من الفضاء، كما تعج وسائل التواصل الاجتماعي بصور القتل الجماعي، ومحاولات الفرار الفوضوية والعنف الجنسي.
وفي حين قبلت 'الدعم السريع' في وقت سابق من هذا الشهر اقتراحاً أميركياً لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، بعد استنكار دولي واسع للتقارير التي حملتها مسؤولية قتل أعداد كبيرة من المدنيين أثناء سيطرتها على الفاشر، لم يوافق الجيش السوداني على وقف إطلاق النار، فيما أعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن إحباطه من جهود مجموعة 'الرباعية' التي شكلت لحل النزاع وتضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، على رغم أنه لم يحمل أي طرف المسؤولية، واكتفى بالمطالبة بنتائج عملية وسريعة، والتوقف عن استخدام 'الرباعية' كدرع للاختباء والادعاء بالانخراط في جهود الحل.
ومع ذلك، تصاعدت التحذيرات من تفاقم الوضع إذا لم تصحح الولايات المتحدة مسارها وتغير سياساتها التي استمرت لأكثر من عقد واتسمت بالتراجع عن إعطاء الأولوية للسودان وللقارة الأفريقية ككل، إذ أفسح غياب أميركا المجال للتأثيرات الاستبدادية العالمية لملء الفراغ، بحسب ما تشير إليه مديرة برامج السياسات العالمية في معهد جورج دبليو بوش هانا جونسون.
ووفقاً لرؤية جونسون، فإن ما يحدث في السودان هو دليل على أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يجب أن يزيدا الضغط على كل من أسهم في تسهيل العنف والفساد وإساءة استخدام السلطة في جميع أنحاء السودان، وهذا يشمل 'الدعم السريع' والقوات المسلحة السودانية، وجهات خارجية أخرى فاعلة مثل روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية، التي استغلت الصراعات وعدم استقرار الحكم لتحقيق أهدافها، ولكي ينتهي ذلك يجب منع الإفلات من العقاب، وتطبيق العقوبات القائمة بالكامل وتوسيع نطاقها، ومحاسبة من دعموا الأطراف المتحاربة سواء 'الدعم السريع' أم القوات المسلحة السودانية، كما يجب على الولايات المتحدة تصنيف 'الدعم السريع' كمنظمة إرهابية أجنبية.
بفعل قوات 'الدعم السريع' (وهي النسخة الأحدث من ميليشيات الجنجويد) وتواطؤ أطراف دولية، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطرق عدة في عام 2025، فقبل 24 عاماً، وفي مطلع عامه الأول في الرئاسة، أطلق الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، وهو يعلق على مقالة تتناول التقاعس الأميركي إزاء الإبادة الجماعية في رواندا، قوله الشهير: 'ليس في عهدي'، محاولاً بذلك وقف العنف العرقي المتصاعد في إقليم دارفور غرب السودان.
وإضافة إلى اعترافه العلني بطبيعة العنف والإبادة الجماعية، دعم الرئيس بوش وإدارته مجموعة من الإجراءات من خلال الكونغرس والأمم المتحدة لتعزيز حماية السكان المستهدفين في دارفور، والضغط على الحكومة السودانية وحلفائها من 'الجنجويد' لوقف الاضطهاد الفعلي.
أدى هذا في نهاية المطاف إلى تحريك تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية وإصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني في حينه عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية، كما دين قائد الجنجويد علي محمد علي عبدالرحمن (علي كوشيب) في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو أول حكم من نوعه ينبثق عن إحالة الأمم المتحدة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2005 في مفارقة غريبة من نوعها، ففي الوقت نفسه وفي المكان نفسه يواجه عشرات الآلاف من المواطنين السودانيين مجدداً إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً.
وفي حين كان تصميم بوش على منع الإبادة الجماعية قائماً منذ عقدين ونصف عقد، أبقت الظروف السودان إلى حد بعيد خارج أجندة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وإدارة ترمب الأولى، لكن إدارة بايدن وإدارة ترمب الثانية تبنتا نهجاً كارثياً في جهود منع الإبادة الجماعية في دارفور، إذ تجنبتا السياسة الوحيدة التي من شأنها أن تحدث فرقاً حاسماً، وهي إرسال قوة حماية متعددة الأطراف لوقف الانتهاكات الإنسانية، فقد أفرطت كلتا الإدارتين في الثقة بعمليات التفاوض الدولية التي لم تحقق شيئاً سوى السماح للأطراف المتحاربة باتخاذ مواقف متشددة والتهرب من التزامات حقيقية.
اليوم، وبعدما أصبحت المجاعة واقعاً يومياً في السودان، ولا تزال الأمراض التي يمكن الوقاية منها وعلاجها مثل الدفتيريا وسوء التغذية الحاد والكوليرا، تودي بحياة الأطفال مع انهيار البنية التحتية للصحة والنظافة، وندرة الغذاء والماء، وحينما يصبح الناجون من هذه الأهوال، في سعيهم اليائس نحو الأمان في كل مكان، ضحايا مجدداً وبصورة منتظمة على يد 'الدعم السريع' وغيرها، يستحضر بعضهم وسائل الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2007 رداً على الفظائع المستمرة في دارفور آنذاك، إذ أوضح ضرورة تحلي الولايات المتحدة وحلفائها بالشجاعة الأخلاقية واستخدام الوسائل الكفيلة بتحقيق النتائج المرجوة، وهي: المشاركة الدبلوماسية، والمساعدة الإنسانية، والضغط المالي.
ربما كانت خيارات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمنع الإبادة الجماعية أقل مما كانت عليه قبل عام ونصف عام عندما بدأ حصار الفاشر، ومع ذلك ما زالت هناك خيارات لوقف الحرب أو في الأقل المسارعة بتحقيق هدنة، إذ يعتقد بعض منهم أن قادة 'الدعم السريع'، التي أعلنت حكومة موازية، سيوافقون بكل سرور على توقيع اتفاق سلام يقتسم معادن السودان، وعلى رأسها الذهب، ويمنحهم حصة في السلطة.
لكن الهدنة، التي يتبعها اتفاق لتقاسم السلطة وتوزيع الغنائم، لا تعني بالضرورة تسوية سلمية دائمة، وكما يقول المحلل السياسي توم غاردنر فإن 'كلاً من ’الدعم السريع‘ والقوات المسلحة السودانية تعتبر إلى حد ما، جماعات فاسدة استفادت مالياً من الحرب، لا سيما من خلال الاتجار بالذهب، الذي يشتري أيضاً الأسلحة والنفوذ، وهذا ينطبق أكثر على ’الدعم السريع‘ التي تتكون من أفراد انجذبوا إلى القتال طمعاً بالغنائم، وإذا أدى السلام إلى إفلاسهم، فقد يفسدون أي اتفاق. كما أن احتمال إبرام صفقة تعاقدية ترمبية ترضي هؤلاء وتتجاهل المدنيين، من الممكن أن تسكت البنادق، لكنها من غير المرجح أن تبشر بالخير للسودان على المدى البعيد'.
يعتمد نهج ترمب في السياسة الخارجية على استخدام النفوذ في أي موقف قد يحقق فيه مكاسب، لكن السؤال الوحيد هو اختيار توقيت استخدامه، وإذا أمكن التفاوض على وقف إطلاق النار فوراً، فستكون الخطوة التالية هي ترتيب إجلاء مشرف للراغبين في مغادرة الفاشر ما دامت بقيت تحت سيطرة 'الدعم السريع'، وكما يقترح المحاضر في كلية جاكسون للشؤون العالمية بجامعة 'ييل' ديفيد سيمون، 'ستكون هناك حاجة إلى قوة دولية، ربما ينظمها الاتحاد الأفريقي ويمولها الغرب. لكن الأهم من أجل منع اندلاع إبادة جماعية كارثية أخرى، هو الضغط على الأطراف التي تشجع على استمرار الحرب من خلال التلويح بالعقوبات الاقتصادية أو العقوبات الجنائية، التي قد يفعلها أدنى تعاون مع المحكمة الجنائية الدولية'.
ويتفق مدير فريق أفريقيا في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد 'أمريكان إنتربرايز' ليام كار، في ضرورة تشجيع الأطراف الخارجية على استخدام نفوذها على 'الدعم السريع'، كما ينبغي على الولايات المتحدة العمل مع جهات أخرى في المؤسسات متعددة الأطراف ذات الصلة، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، لتشكيل جبهة موحدة، إذ يتعين على المسؤولين الأميركيين مواصلة التعبير عن آرائهم وتحويل هذه الأقوال إلى أفعال، مثل دعم القرارات والعقوبات متعددة الأطراف المحتملة ضد 'الدعم السريع' وأي داعمين آخرين لها.
أحد الخيارات المهمة أيضاً هو إنشاء قوة حماية مدنية تابعة للاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة، كما فعلت المنظمتان معاً خلال الإبادة الجماعية في دارفور في العقد الأول من القرن الـ21، ونظراً إلى عدم وجود رغبة دولية في تشكيل مثل هذه القوة، ربما يكون الخيار البديل هو الإجلاء الإنساني لهؤلاء المدنيين من الأراضي التي تسيطر عليها 'الدعم السريع' كحل أخير.
تتطلب هذه الجهود مشاركة دبلوماسية مستدامة، وهو ما يمكن للرئيس ترمب تأمينه بتعيين مبعوث إلى السودان، فقد قام مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس بعمل جدير بالثناء في إشراك جميع الفصائل المشاركة في الحرب، لكنه شخص واحد يغطي القارة بأكملها، والسودان بحاجة إلى اهتمام أكثر تركيزاً، خصوصاً وأن مجلسي الشيوخ والنواب أظهرا دعماً من الحزبين لتعيين مبعوث، لأن الوقت عامل حاسم، وتعيين مبعوث سيساعد في معالجة الأزمات الحالية والمستقبلية وفي جهود السلام طويلة الأمد.
ربما لم يحظ السودان بالاهتمام الذي يستحقه باعتباره يشكل أكبر أزمة إنسانية وأزمة لاجئين في العالم، لكن ترمب في النهاية ولحسن الحظ، أبدى اهتماماً، وإذا كان العالم فشل في العقد الأول من القرن الـ21، في الوفاء بوعده للشعب السوداني بعدم تكرار ما حدث من دمار وانتهاكات وجرائم إنسانية، لا يزال بإمكان الرئيس الأميركي تجنب تكرار ذلك وضمان الوفاء بوعده بتحقيق السلام والأمن حول العالم، وربما يكون السودان طريقه المضمون لنيل جائزة نوبل التي يتوق إليها.


























