اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
رم -
بقلم: احمد عبد الباسط الرجوب
في الوقت الذي تُعقد فيه المؤتمرات وتُصاغ البيانات الحماسية من على منابر الأمم المتحدة، يتعمّق الاحتلال الإسرائيلي على الأرض وتتآكل إمكانات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. مؤتمر 'حل الدولتين' الذي استضافته نيويورك مؤخرًا لم يأت بجديد، باستثناء تكرار الشعارات القديمة تحت عناوين جديدة، في وقت تُغلق فيه كل النوافذ الواقعية أمام السيادة الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو غزة.
منذ أن أطلقت المملكة العربية السعودية 'مبادرة السلام العربية' في قمة بيروت عام 2002، التي نصّت بوضوح على اعتراف عربي شامل بدولة الكيان الصهيوني مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967، ظلّ الموقف العربي راسخًا في تبنّي حل الدولتين كإطار للحل الشامل والعادل. لم تكن هذه المبادرة مجرّد اقتراح سياسي عابر، بل كانت انعكاسًا لرغبة جماعية عربية في إنهاء الصراع وفق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 242.
لكن ما الذي تحقق منذ ذلك الحين؟
الواقع يشير إلى تآكل يومي لفكرة الدولة الفلسطينية. الضفة الغربية محطّمة الأوصال، مستباحة أمنيًا من قبل قوات الاحتلال، ومفتتة جغرافيًا بفعل المستوطنات والحواجز. أما القدس الشرقية، فهي تواجه تهويدًا ممنهجًا، في ظل غياب أي ضغط دولي فعال لوقف هذه السياسات. وغزة، التي تُختزل إلى 'أزمة إنسانية'، تُترك عمدًا خارج أطر الحلول السياسية.
التحركات العربية، رغم المبادئ الثابتة، تفتقر اليوم إلى أدوات التأثير الفعلي. بعض الدول العربية، رغم تمسّكها الرسمي بمبادرة بيروت، دخلت في مسارات تطبيعية جزئية مع دولة الاحتلال، ما قلل من وزن الضغط الجماعي المطلوب لإجبار تل أبيب على القبول بحل الدولتين.
في المقابل، يأتي الاعتراف الرمزي الأخير من فرنسا وكندا وإسبانيا بالدولة الفلسطينية كخطوة سياسية محمودة، لكنها تبقى بلا تأثير فعلي ما لم تتحول إلى ضغوط دبلوماسية وميدانية على دولة الكيان الصهيوني لوقف التوسع الاستيطاني والالتزام بالقرارات الدولية. هذه الاعترافات، وإن كانت تأخرت عقودًا، تسلّط الضوء على تباين المواقف بين بعض الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية التي لا تزال منحازة بشكل شبه مطلق لإسرائيل.
الإدارة الأمريكية الحالية، رغم حديثها المتكرر عن دعم حل الدولتين، لم تُترجم أقوالها إلى أفعال. الدعم العسكري والسياسي لدولة الاحتلال مستمر بلا شروط، بينما يُمنع أي تحرّك فعلي في مجلس الأمن يمكن أن يُحدث فارقًا، مثل فرض عقوبات على بناء المستوطنات أو الاعتراف القانوني بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
وفي هذا المشهد، يبدو الإرهابي نتنياهو كمن يحمل 'حل الدولتين' في جعبته كورقة سياسية يستخدمها لتخفيف الضغوط الدولية فقط، دون نية حقيقية في التطبيق. سياساته تؤكد أنه ماضٍ في تكريس واقع 'الدولة الواحدة بنظام فصل عنصري'، يرفض فيه منح الفلسطينيين أية حقوق سيادية أو سياسية حقيقية.
أما على الساحة الفلسطينية، فالانقسام بين فتح وحماس يمثل أحد أبرز العوائق الداخلية أمام بناء مشروع وطني جامع. السلطة الفلسطينية تبدو عاجزة ومقيدة سياسيًا وميدانيًا، فيما تُستخدم أجهزتها الأمنية أكثر فأكثر كأداة لضبط الشارع بدلًا من الدفاع عن حقوقه. لا سيادة، لا حدود، ولا حتى اقتصاد مستقل.
وفي هذا الإطار، تُطرح مجددًا تساؤلات قديمة حول 'الخيار الأردني' أو الفيدرالية، ما يثير قلقًا مشروعًا لدى الشعبين الأردني والفلسطيني من تمييع القضية أو تجاوز الحق المشروع في تقرير المصير والعودة.
الدور المنتظر: من الأقوال إلى الأفعال
من هنا، تصبح إعادة تفعيل المبادرة العربية وتحديثها في ظل المستجدات أمرًا ضروريًا، خاصة مع تصاعد الاعترافات الغربية. فالسعودية، بما تملكه من ثقل إقليمي ودولي، قادرة على قيادة مبادرة عربية جديدة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتشكيل لوبي دبلوماسي فعّال يربط الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني بمسار واضح لإنهاء الاحتلال.
وفي المقابل، على الأوروبيين أن يتجاوزوا سقف الاعتراف الرمزي، نحو دعم سياسي وميداني لتثبيت السيادة الفلسطينية، بما يشمل دعم البنية التحتية، الاعتراف الكامل في الأمم المتحدة، ومقاطعة الاستيطان قانونيًا.
أما الولايات المتحدة، فلا يمكن الحديث عن حل الدولتين دون تغيير فعلي في سياسة الدعم المطلق للكيان الصهيوني، والعودة إلى دور الوسيط العادل، لا الحليف المنحاز.
خاتمة: منابر لا تصنع دولة
إن 'مؤتمر نيويورك' حول الدولة الفلسطينية، كما سابقاته، لن يغير الواقع ما لم تتحول الوعود إلى أفعال، والخطابات إلى التزامات سياسية وإجرائية. القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى إرادة دولية حقيقية تعترف بالواقع وتعمل على تغييره.
دولة فلسطين لن تُبنى من قاعات المؤتمرات، بل من قرارات تُنهي الاحتلال وتعيد الحقوق لأصحابها.
باحث وكاتب أردني