اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٨ حزيران ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
خلّفت الضغوط والعزلة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا تأثيراً اجتماعياً ونفسياً بدأ يظهر بالفعل على أطفالنا، كما يتوقع العلماء حدوث خسائر اقتصادية جسيمة نتيجة اضطراب العملية التعليمية خلال تلك الفترة.
لاحظت معلّمة مرحلة رياض الأطفال الأمريكية، ريبيكا أندروود، وجود تفاوت ملحوظ بين الأطفال الذين التحقوا بالحضانة العام الجاري، إذ تقول إن الأطفال الذين تدرّس لهم، وتتراوح أعمارهم بين خمس وست سنوات، يظهرون حذراً جسدياً بدرجة أكبر مقارنة بأقرانهم الذين التحقوا بنفس المرحلة في سانتا مونيكا، في ولاية كاليفورنيا، قبل تفشي فيروس كورونا.
وتضيف: 'العديد من الأطفال لا يستطيعون التدحرج، ولا القفز باستخدام القدمين معاً، كما يترددون كثيراً في تسلق الأشياء'، وتتساءل إذا كان هذا ناتجاً عن قلة الأنشطة خلال مرحلة الطفولة المبكرة، لاسيما وأن ولادة هؤلاء الأطفال صادفت فترة تفشي الفيروس.
يُذكر أنه في شهر مارس/آذار عام 2020، بدأت المدارس في مختلف أنحاء العالم فرض تدابير إغلاق بشكل مفاجئ، مما أدى إلى تغيّر جذري في حياة 2.2 مليار طفل وشاب على مستوى العالم، والتزمت الأسر بالإقامة داخل منازلها، ولا تخرج إلا في أوقات قصيرة ومُحددة، بينما تولى الوالدان مسؤولية تعليم الأطفال، أو حصولهم على دروس عن بُعد.
وتسببت الجائحة في فقدان الأطفال لنسق الحياة اليومية المعتاد، إذ حُرِموا من المشاركة في الأنشطة كالذهاب إلى الأندية وممارسة الرياضية والهوايات، واستُبدلت تلك التجارب بأعمال يدوية منزلية ومشاهدة التلفزيون.
كما لم يشاركوا في العديد من المناسبات كتنظيم الحفلات المدرسة وحفلات التخرج، وفي بعض المناطق، لم يتمكن الطلبة من العودة للاختلاط بأقرانهم إلا بعد مرور عام كامل، وبلغ متوسط فترة إغلاق المدارس على مستوى العالم نحو 5.5 أشهر، إلا أن بعضها ظل مغلقاً لفترات أطول.
وقد أدى هذا الواقع، بالإضافة إلى الضغوط النفسية للجائحة والوضع الاستثنائي الذي واجهته الأسر، إلى إثارة جدل واسع بشأن الأثر الذي تركته هذه التجربة في نفوس الجيل الذي عاشها.
إنّ تجارب الطفولة غالباً ما تترك أثراً بالغاً في مسار حياة الفرد، نظراً لقدرتها على التأثير في تطور الدماغ، والسلوك، والرعاية الاجتماعية للفرد.
ورصدت أندروود وزملاؤها تفاوتاً واضحاً في سلوك الأطفال أثناء عملية التدريس لهم بمجرد إعادة فتح المدارس في عام 2021، أما في العام الحالي، والذي يضم أطفالاً وُلدوا مع بداية الجائحة، فقد بدأوا يلاحظون تحسناً نسبياً مقارنة بدفعات الالتحاق السابقة.
ويُظهر الأطفال في الفصول الصغيرة التي تُشرف عليها أندروود حساسية مفرطة تجاه المُحفّزات الخارجية، إذ اضطرت المدرسة التي تعمل بها إلى تعليق دروس الموسيقى قبل عامين، إذ كانت الآلات الموسيقية تمثّل عبئاً كبيراً على الأطفال، فالضوضاء العالية، رغم طابعها المبهج، كانت تثير اضطرابهم الشديد.
وتقول أندروود: 'جلس نصف الفصل في الخارج بسبب فرط التحفيز، لا سيما في الفصول التي تعتمد على التفاعل بطريقة عملية، وكان من الصعب ضبط الأمر'، وتتساءل إن كان عدم مشاركة هؤلاء الأطفال سابقاً في مجموعات الموسيقى أو ساحات اللعب قد جعلهم عاجزين عن التكيّف مع البيئات الصاخبة. وفي هذا العام، بدأوا إعادة إدخال الموسيقى إلى المناهج تدريجياً.
وبدأ الباحثون، بعد خمس سنوات من بدء تفشي جائحة كورونا وما تبعها من تدابير إغلاق واسعة النطاق، دراسة وتحليل التأثيرات التي ربما أثرت بها التغييرات الاجتماعية المفاجئة على الأطفال، إذ أثّرت الجائحة على سلوكهم، وصحتهم النفسية، ومهاراتهم الاجتماعية، ومستواهم التعليمي، بيد أن عمق ذلك التأثير وأثره طويل الأمد قد لا يظهر إلا في العقود القادمة.
وفي مرحلة الطفولة المبكرة، تُعد كل تجربة تواجه الطفل جديدة، من زيارة الحديقة، إلى استنشاق رائحة منتجات متجر البقالة، إلى ملمس حيوان أليف ناعم، لكن، ما الذي قد يحدث إن لم يحظ الطفل بفرصة للتعرّف على هذا التنوع الغني من تجارب الحياة؟
تسعى دراسة بريطانية بعنوان 'تأثيرات الإغلاق الأساسية على مواليد عام كوفيد-19'، إلى تحليل تأثير تدابير الإغلاق على الأطفال المولودين في الفترة ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020.
وتُعبّر لوسي هنري، المتخصصة في النطق واللغة بجامعة سيتي سانت جورج بلندن، عن قلقها وتقول: 'كنا نشعر بقلق بالغ أثناء جائحة كوفيد إزاء خوض الأطفال تجربة غير مألوفة للغاية'.
وترصد الدراسة تأثير الجائحة على مجموعتين من مئتي طفل وُلدوا قبل جائحة كوفيد-19، أثناء فترة الإغلاق في عام 2020، وبعد رفع القيود في 2021، مع التركيز على مهارات اللغة والوظائف التنفيذية في سن الرابعة.
ويشارك الباحثون بعض الألعاب البسيطة مع الأطفال، بما في ذلك لعبة يتعين على الأطفال النقر عند ظهور صورة قطة على الشاشة، والهدف من اللعبة هو 'الضغط على القطة' مع تجنب النقر عند ظهور صورة كلب، وذلك لقياس القدرة على الكبح وضبط النفس ووظائف تنفيذية أخرى.
ومن المتوقع إعلان النتائج الأولية لهذه الدراسة في وقت لاحق العام الجاري، إذ تشير النتائج الأولية إلى أن الأطفال الذين كانوا رضّعاً أثناء الجائحة يمتلكون مخزوناً لغوياً أقل، وقد يواجهون تحديات في مهارات التفكير الأعلى.
وتُوضح نيكولا بوتينغ، عالمة نفس النمو في جامعة سيتي سانت جورج بلندن والمشرفة المشاركة على الدراسة: 'تشير المعطيات بشكل عام إلى أن مهارات التواصل ربما من بين المجالات التي تأثرت'.
ويتطلع الباحثون إلى أن يسهم عملهم في تسليط الضوء على أسباب هذا التراجع، مع توقعهم أن تكون لقلة الفرص الاجتماعية للأطفال في عامهم الأول، تأثير بالغ على نموهم، إذ أن الأطفال الذين وُلدوا خلال أشد فترات تدابير الإغلاق لم يحظوا بفرص التواصل الاجتماعي العامة، كالتلويح للآخرين، واللعب على الأراجيح، ورؤية وجوه متعددة تتحدث، أو سماع أصوات مختلفة.
وتقول بوتينغ: 'استناداً إلى كم هائل من الأبحاث، تعد الأشهر الأولى من حياة الطفل ذات أهمية بالغة في تعلم أسس التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أن الرضّع يبدون وكأنهم غير مشاركين في أي نشاط، إلا أنهم يقومون بمهام، من بينها إدراك الفرص الاجتماعية المتنوعة'.