اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٦ أيار ٢٠٢٥
في الأيام الماضية، انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من الصحف والمواقع المهتمة بالكتابة، تقرير أصدرته جريدة «ذا ناشيونال» الإنكليزية، ويضم ما سمته، أهم خمسين رواية عربية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان صدر باللغة الإنكليزية أولا، كما أعتقد، لأنني صادفته هكذا قبل أن أجده منتشرا باللغة العربية.
هذا التقرير الذي لم يبين الصيغة التي تم بها الاختيار، ومن القراء المتمرسين الذين رشحوا الأعمال؟ وإن كان ثمة لجنة محددة اختارت ما اختارته أم لا؟ وجد آذانا صاغية جدا، وسرعان ما تلقفه عدد من المؤلفين، الذين ظهر لهم عمل ضمن القائمة، والناشرين الذين قد يكونون نشروا رواية، ظهر اسمها أيضا، وأخذ كأمر مسلم به، على الرغم من النواقص التي ذكرتها، والتي يجب أن تتوفر في مثل هذه التقارير حتى، تكون ذات قيمة ما.
على صعيد آخر، لم يرض كثيرون لم تظهر أعمالهم فيه، واعتبروه مجحفا، وبالغ بعضهم حين قالوا إن معظم ما ذكر من عناوين، هو لروايات رديئة لا تستحق أن تعتبر مهمة، وطبعا هذا كلام مبالغ فيه، لأن هذه الروايات كلها تقريبا، إما حصلت على جوائز محلية أو إقليمية، أو دولية، وإما ظهرت في قوائم تلك الجوائز، ويبدو أن هذا هو المعيار الذي اتخذه كتاب هذا التقرير، حين أرادوا اختيار هذه القائمة. هناك روايات كانت في جائزة البوكر، وروايات في جائزة الشيخ زايد، وروايات نافست حتى في البوكر الدولية، التي ترعاها مؤسسة مان بوكر البريطانية، وهناك رواية حصلت عليها بالفعل، هي «سيدات القمر» لجوخة الحارثي.
لن نقول أبدا إننا إزاء أعمال رديئة تم تفضيلها على أعمال قيمة، وإنما نقول، ثمة أعمال كانت حاضرة في المشهد الروائي العربي، وغالبا بقوة، اختيرت، وهناك أعمال أخرى كانت أيضا حاضرة بالقوة نفسها، لم يتم اختيارها، والنتيجة أن هناك قائمة، قابلة للتعديل، وقابلة لإنشاء قوائم أخرى موازية، حسب رأي كثيرين، ولا مشكلة في ذلك.
هذا التناول الكثيف لقائمة «ذا ناشيونال»، ذكرني بفيديو، انتشر منذ فترة، وتحدث فيه قارئ عربي، عن أهم الروايات السودانية في رأيه، وقوبل بكثير من الرفض والغضب، وتحدث قراء ومؤلفون عن أحقية كتب ما للظهور في ذلك الفيديو. يومها كتبت مقالا، قلت فيه، إن ذلك القارئ ليس موظفا عن أحد، وهو حر في قراءاته، وحر في آرائه، ولن نحاسبه على ذائقته، التي يختار بها كتابا لمؤلف ما، ولا يختار كتابا قد يكون أجود لمؤلف آخر، هي مسألة تذوق وليس حكما راسخا أو نهائيا ينبغي تطبيقه.
ولطالما شاهدنا كثيرا، كتبا قيمة لا يظهر لها ذكر، لأن لا أحد اهتم بها، بينما أخرى، ذاع صيتها بسبب الاهتمام، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع المؤلفون أنفسهم، تسليط الضوء على مؤلفاتهم، بالإشارة إليها باستمرار، وكتابة مقاطع منها للتشويق، أيضا الوقوف في معارض الكتب واحتمال مشقة التوقيع للقراء، إن حدث وجاء قراء.
ولا أظن أن المؤلف الملم بالإنترنت، بحاجة لإطراء من نوع القوائم التي تظهر من حين لآخر، وينبغي أن لا يمتعض لأن اسمه لم يكن في إحداها، بمعنى لا يجوز التسليم بهذه القوائم، والرضوخ لمشيئتها، على الكاتب الحقيقي أن يكتب فقط ولا يهتم، وعلى القارئ الحقيقي، أن يستمر في النبش للحصول على الدرر، التي تحتاج فعلا لمجهود للعثور عليها.
لقد راسلني عدة صحافيين من العاملين في الحقل الثقافي، بوصفي أحد الذين ظهرت أسماؤهم في اللائحة الأخيرة، ويسألون بكل بساطة، ما رأيك بعد أن ظهرت روايتك في قائمة مهمة كهذه؟ لم يكن لديّ رأي بالتأكيد، وكما قلت كنت مستغربا من الذين كونوا رأيا، وكتبوه أو أدلوا به للصحافة، في مثل هذه الأمور، نقرأ، ونبتسم أو نعبس، ولا ندلي بشيء. بالنسبة للقوائم الموازية، أعتقد أنني أستطيع وضع قائمة حسب تذوقي، وفكرتي عن الرواية المهمة، وأردد دائما أن أهمية الرواية تكمن في التأثير الذي تحدثه، سواء على مستوى الأفكار، أو الشكل الفني، أو حتى حب القراء لها، وأزعم بأن هذا التأثير ليس واضحا كثيرا في الكتابة العربية، خاصة حين تترجم إلى لغات أخرى.
بمعنى أنك لا يمكن أن تقول إن هذا النص عالمي، لمجرد ترجمته للغات عالمية، التأثير هو المهم، ومؤكد رواية أحمد سعداوي «فرنكشتاين في بغداد» مثلا، أحدثت هذا التأثير، كانت فكرتها عظيمة وكتابتها عظيمة.
ولو أشركت في اختيار قائمة تضم في رأيي روايات مهمة، سأختار أعمالا قد تكون موجودة في قائمة «ذا ناشيونال»، وقد لا تكون موجودة أيضا، على سبيل المثال: رواية «الغوريلا» لكمال الرياحي أفضل ما كتب عن الثورة التونسية، «نازلة حي الأكابر» لأميرة غنيم، وكلاهما من تونس، رواية مثل «باب الليل»، أو «حذاء فليني»، لمعلم الكتابة وحيد الطويلة، رواية لعائشة المحمود من الكويت، وهي تكتب بأسلوب جذاب، وتقرأ التاريخ بعيون معاصرة، رواية من أدب الصحراء لصديق الزيواني، وهذا رجل يكتب في منطقة بعيدة عن طرق الآخرين، وأظن بيئته ساعدته في ذلك، ماذا عن رواية «تيتنكات أفريقية»، رواية عن مراكب الموت لأبوبكر كاهال، وهي من أولى الروايات التي كتبت ظاهرة الهجرة الخطرة ومضاعفاتها؟، ورواية «السيدة التي سقطت في الحفرة» لإيناس حليم، قصة أسطورية ناجحة بكل المقاييس. كثيرة في ذهني الروايات التي يمكن رصها في قوائم والحديث عنها، وقد أوردت أمثلة فقط مما يدور في ذهني.
عموما لا بأس بكل حراك في الحياة الثقافية الراكدة، إنه شيء مطلوب، فقط ينبغي عدم أخذه كأمر مسلم به.
كاتب سوداني