اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
قِبلةُ المشكلة واضحة: المقابر الكبرى في العاصمة تقترب من حدّ الإشباع، وتكاليف الدفن تتحول إلى عبء موازٍ لتكاليف الزواج، ما يضع آلاف العائلات أمام خيارات قاسية ويُشكّل تحدّياً حضرياً واجتماعياً متصاعداً.
تُشير بيانات بلدية عمان وفق تحقيق لمراسل 'اندبندنت' البريطانية الزميل طارق ديلواني وتقديرات خبراء التخطيط إلى وجود نحو 133 مقبرة داخل المدينة، فيما تتراوح حالات الوفاة في العاصمة بين 7 و8 آلاف سنوياً. على مستوى المملكة تُقدَّر الوفيات بنحو 35–40 ألف حالة سنوياً، ومع معدل نمو سكّاني يقارب 2.1% قد يرتفع العدد إلى نحو 50 ألف وفاة سنوياً بحلول منتصف العقد المقبل، مما يزيد الضغط على المساحات المخصّصة للدفن.
الضغط المكاني يتقاطع مع ضغط مادي واضح: تكلفة إنشاء القبر الحقيقية تُقدَّر بنحو 600 دولار بينما الرسوم المحصلة من المواطنين لا تتجاوز نحو 65 دولاراً، ما يترك فجوة مالية على أَمانة العاصمة ويدفع نحو بروز سوق سوداء لتجارة القبور وممارسات وساطة غير قانونية تستغل حاجة الأهالي.
الخيارات التقليدية لتوسيع المقابر إلى أطراف المدينة ثبتت محدوديتها، إذ يتحوّل امتداد العمران إلى احتلال لتلك الأطراف مع مرور الزمن، بينما تبقى تحديات البنية التحتية وسهولة الوصول وسجلات القبور من العقبات الرئيسية أمام مقترحات النقل أو التوسع.
الآثار الاجتماعية حادة: تكاليف الجنازة والولائم والتقاليد المرتبطة بالعزاء تضغط على الأسر الفقيرة وتدفع بعضها إلى الاقتراض أو الاعتماد على المساعدات، فيما تنبه منظمات مجتمع مدني إلى أن تجارة القبور وغياب الرقابة تضر بالعدالة الاجتماعية وبثقة الجمهور في مؤسسات إدارة الموت.
المطالِب العملية تتركز في سياسات تخطيطية ودينية واجتماعية متوازنة: توثيق رقمي لسجلات القبور وخرائط مواقعها، دراسة آمنة ومبنية على إفتاء ديني لمساحات الدفن العمودية أو المقابر المشتركة ضمن ضوابط شرعية، إنشاء صندوق اجتماعي لتمويل دفن الفقراء، وتسريع تنفيذ مشاريع المقبرة المخططة (من ضمنها مشروع بمساحة كبيرة قيل إنه يوفّر خدمة لسنوات طويلة) مع ضمان الشفافية في التكاليف والرسوم.
الخبراء يلحون على أن ملف المقابر يجب أن يُدرج ضمن أولويات التخطيط الحضري مثل الماء والطاقة والإسكان، لأن استمرار التوسع الأفقي بدون سياسات مدروسة قد يخلق أزمة أرضٍ جديدة تمس الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمدينة.
الخلاصة: إدارة الموت ليست شأنًا هامشيًا؛ إنها جزء من البنى الحضرية والذاكرة الاجتماعية وتحتاج إلى حلول تقنية وقانونية ودينية وسياسات تمويلية واضحة لحماية الفقراء ومنع استغلال السوق السوداء، مع ضرورة حوار مجتمعي واسع لتبني أي تغييرات تمس عادات الناس ومعتقداتهم.