اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
بين رجل الثلج ورجل 'البكم ' الف ليلة وليلة
زهير العزة
اللحظة الراهنة التي نعيشها هي لحظة كاريكاتورية بإمتياز حيث لايمكن التفريق بين ماهو مأساوي وبين ما هو هزلي ... اذ بإمكانك أن تركب ' تندة بكم ' ' البكم او 'البكب' حافة نقل صغيرة ' ومن خلال ميكرفون تصرخ بأي كلام مأزوم او مأفون فتتحول الى رجل 'البكم' الذي يصول ويجول في ساحات الوطن ...
شخصيا لم اكن اتوقع ان أصل الى لحظة تزعجني فيها قصص 'ابو البكم' خاصة وانا المتجذر على اطراف البادية الوسطى شرقا وعلى اطراف البلقاء غربا اعتدت التعايش مع 'البكمات 'منذ أن رات عيناي النور لان التجار كانوا يأتون بها لشراء محاصيل ارضنا من القمح المنتشرة بين البادية الوسطى واطراف البلقاء ،وكانت تلك اللحظات تمثل لنا سعادة نظرا لما سيتدفق من جيوب هؤلاء التجار من اموال طائلة في ذلك الوقت ما ينعكس على مستوى رفاهيتنا الاسرية كما سينعكس على الفلاحين الذين كانوا يعملون في الارض....
اليوم والعالم العربي يضج بما هو تافه من الفن التافه الهابط الى الكتابة والاعلام والسياسة المتخاذلة الهابطة ينشط ركاب 'تندة البكم ' متصدرين المشهد بما يحملون من جهل وفراغ فكري وسياسي والاردن ليس استثناء ... فمن صنع الفن الهابط هو نفسه من صنع السياسة الهابطة والسياسي الفارغ الهابط ...فمركز الانتاح واحد وممول الانتاج واحد والجهة المنفذة للانتاج واحدة ..!
في الصغر عندما كنا نستمع للأستاذ وهو يروي لنا قصص الملك شهريار مع إبنة وزيره الشابة شهرزاد، كانت الافكار تأخذنا بعيدا نحو احلام طفولية كنا نعتقد حينها اننا عندما نصبح شبانا او رجالا سنعيش تفاصيل تلك القصة او تلك من حكايات شهرزاد ، لكن عندما كبرنا اكتشفنا اننا استمعنا لكل تلك القصص ولم نعرف من هو المؤلف الحقيقي لقصص الف ليلة وليلة، فهل هو الفارسيّ هزار أفسان، ام ان اشخاصا او شخص تشاركوا في كتابتها بشكل منفرد في القرن التّاسع الميلاديّ، ام هي من كتابة الجهشيريّ ام انها كتبت في القرن الثّاني عشر الميلاديّ من سلسلة الحكايات الشعبية المصريّة، وهي نفس الحال التي اصابتنا عندما كنا نقرأ قصة 'رجل الثلج' والذي هو مجسم ثلجي كنا نقوم ببنائه للاحتفال بالثلج ، ويعبر عن النقاء والصفاء والبراءة والطفولة الحالمة بمستقبل زاهر لم يأتي بعد ....... وهذا ما كان
يقرأه لنا الاستاذ كما هو مقرر في كتب المدرسة ، وهنا كانت خديعتنا الفكرية حيث نهيم مع افكارنا ومع احلامنا الطفولية البريئة ، وما ان كبرنا حتى اكتشفنا ان كل حكايا رجل الثلج المدرسية المصنوعة من تجميع الثلج بعضه على بعض هي ليست الحقيقة ، بل انها حكايات كتبها العديد من الكتاب ، بعيدا عن قصة رجل الثلج الحقيقية التي كتبها هانز كريستيان أندرسن، تجسيدا لحياة رجل الثلج الذي عاش في جبال الالب وتوفي قبل 5300سنة كما اكد العلماء ذلك، بعد ان اكتشفوا في عام 1991 'أوتزي' أو رجل الثلج محنطا في جبال الألب، حيث يعود تاريخ وفاته إلى العصر النحاسي ، وكان يعمل في مهنة الصيد كما تشير الدراسات والابحاث .
ونحن وامام واقع المتخيل ' بضم الميم ' والمعاش ' ايضا بضم الميم' اغرقنا انفسنا في البحث عن اصل الحكاية والرواية ، ما افقدنا ان نستفيد من الحكمة وراء هذه الحكاية او تلك الرواية ، وبالتأكيد كان هذا هو هدف من اوجد لنا رجل 'البكم ' لننشغل في التافه من الامور وننسى ان هناك قضايا اعمق واهم من وصول' ابو البكم' الى واجهة المشهد الاجتماعي او السياسي في البلاد............. لقد ارادوا ان نفقد البوصلة الوطنية لنتحول تابعين لما يحددونه من اتجاهات.......... يتبع