اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
فلسطين لا تفرط بالتفوق الأخلاقي
حاتم رشيد
تميزت معركة مقاتلي حماس في السابع من أكتوبر بالاتقان والحرفية.تجلت المفاجأة الصاعقة التي أربكت جيش الاحتلال على مرأى من عالم لم يكن ليتصور جنود اسرائيل يفرون من الميدان وينتزعون عنوة من بطون دباباتهم..وكان المشهد مذهلا ومذلا لكيان احلالي إجرامي متغطرس يتغنى بتفوقه على العرب في كل حروبه.
النصر العسكري الموضعي والوقتي ليس هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني.وهذا مفهوم.فبضعة آلاف من المقاتلين لا يمكنهم هزيمة احد اقوى جيوش العالم المعاصر.
بالطبع الأمة المحرومة من الانتصارات عاشت نشوة خرافية في ذلك اليوم.واشبعت قدرا من تعطشها لرؤية عدوها يهان ويذل.لا شك أن المعركة اخذت أبعادا عاطفية لطرفيها.طرف بكى فرحا.وطرف مقابل بكى وجعا وانكسارا.
ومع ذلك فإن مضي مدة طويلة نسبيا على هذه المعركة .ربما يعطينا المبرر للقول إن أبعادها المعنوية والأخلاقية والإنسانية لم تضبط بصرامة وبدقة.فقد عاد المقاتلون بجنود أسرى وهذا محق ومفهوم ومقبول.لكنهم عادوا أيضا بعجزة طاعنين في السن من رجال ونساء.وعادوا يحملون امهات يحتضن أطفالا.
ويكتمل المشهد بجانبه السلبي بتدفق اعداد من المدنيين غير المنضبطين في سلوكهم.
والحال أن هذا إخفاق أخلاقي وسياسي معا. اما الذي منعنا من الإشارة إليه في حينه فهو رغبتنا بتجنب نقد المقاومة وهي في ذروة خوضها حربا بمواجهة عدو توحش في انتقام مدروس ومبيت.فاحرق الحرث والنسل مما بدت معه أخطاء المقاومة قطرة في بحر وحشيته واجرامه .وهذا الإجرام هو ما أزاح أخطاء المقاومة بعيدا عن الصورة التي تكثفت لتدين همجية الكيان.
من المأمول أن تتراجع المقاومة عن الأخطاء ولو متأخرة. لكن الذي حدث الآن أن المقاومة تعيد الخطأ في التوقيت الخطأ.
تم عرض وإظهار جنود أسرى جوعى منهكين نفسيا وجسديا في انفاق تبعث فيهم الشعور بالرعب. وكررت حماس ما فعلته الجهاد الإسلامي. والتبرير هنا هو الضغط على العدو لإجباره على فتح المعابر أمام المساعدات لأهل غزة الذين يتعرضون على مدار الساعة للقتل والتجويع.
بالتأكيد اسرائيل لا تشتق ولا تبني سياسة واستراتيجية انطلاقا من رغبتها بانقاذ عشرات الأسرى .اذ لديها ما هو أهم بكثير .هي معنية بما شخصته حربا وجودية.وبلا شك يبدو حساب الأسرى هامشيا في حساباتها الاستراتيجية. وعمليا هي مستفيدة من ورقة الأسرى داخليا وخارجيا.وهي تتعمد إبقاء ورقة الأسرى حية لتوظفها في تبرير استمرار حرب الإبادة التي تمارسها بلا هوادة على مدار اليوم منذ سنتين تقريبا .
لم تكن المقاومة مضطرة لعرض صور تصب في مصلحة العدو .ويظهر سوء التوقيت من أن عرض الصور جاء والعالم بأسره تقريبا شعبيا ورسميا يدين الإجرام والتجويع الإسرائيلي.ويطالب بتقديم المساعدات الإنسانية..وبالتالي فإن ما تنشده المقاومة محقق بدون هذا العرض الضار.وفد لاحظنا أن دولا وازنة قد أدانت المشهد.والواقع أن المشهد جاء ليخدم الدعاية الإسرائيلية في لحظة انهيارها.
لقد جاء المشهد ليلحق الضرر بإنجاز على المستوى الدولي ثمنه مئات الألوف من الشهداء والجياع والمعذبين من ابناء قطاع غزة المنكوب.بما يتجاوز كل وصف للنكبة.
لا يكفي في حرب وجودية اتقان القتال بالبنادق فحرب العقول تظل الأكثر فعلا وحسما.
بمواجهة عدو متفوق عسكريا وهمجية يجب ويجب أن تتفوق المقاومة أخلاقيا وانسانيا .