اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة مدار الساعة الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٣ نيسان ٢٠٢٥
إنّ من المُتعارف عليه أن هناك مؤشرات عديدة تميّز الدول العظمى عن غيرها كالقوة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، ومن المُتعارف عليه أيضاً أن 'القوة الناعمة' (Soft Power) هي أحد مؤشرات عظمة الدول. وهي، حسب 'جوزيف ناي' الذي صاغ هذا المفهوم؟ 'القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، أو استخدام القوة للإقناع'. وإذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال، فإننا نلاحظ بسهولة أنها تتوفر على كثير من مؤشرات القوة حيث تملك أقوى جيش في العالم (ترسانة نووية استراتيجية تزيد عن 6000 رأس نووي و 800 قاعدة عسكرية منتشرة على مستوى العالم)، ويشكل اقتصادها ربع الاقتصاد العالمي، ولها نفوذ (leverage) مشهود يعرفه كل من هو مهتم بالشأن السياسي، وفضلاً عن ذلك فإنّ للولايات المتحدة' قوة ناعمة' أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ويدل على ذلك توق الكثيرين من البشر، وفي كافة البلدان، إلى زيارة الولايات المتحدة، أو العمل فيها، أو الهجرة إليها، أو التعلم في جامعاتها ومعاهدها، ومن هنا تأتي أهمية موقف ترامب وإدارته من الأكاديميا الأمريكية المُمثلة في جامعاتها المرموقة أساساً، والذي يهدف من خلاله إلى 'تطويع' الجامعات الأمريكية، والتدخل السافر في شؤونها، ومصادرة استقلاليتها. لقد اتضح موقف ترامب هذا أخيرا، وبكل جلاء، حين أوقف المساعدة الفيدرالية البالغة ما يقارب (2) مليار دولار لجامعة هارفارد، ولم يكتفِ بذلك، بل هدّد بعدم شمولها بالإعفاء الضريبي الذي تستفيد منه كمؤسسة غير ربحية (Non-Profit Organization) وأسوأ من ذلك أنه أعلن بأنه قد يوعز إلى إدارته بعدم تمكين الجامعة من تسجيل طلبة من الخارج في برامجها، حيث يزيد هؤلاء في العادة عن 27% من طلبة الجامعة، ومن الطريف حقاً أنه لم يتردد في القول على منصته 'تروت سوشيال' للتواصل الاجتماعي 'لم يعد من الممكن اعتبار هارفرد مكاناً لائقاً للتعليم، ولا ينبغي أن تتلقى تمويلا فيدرالياً بعد الآن'، وقد أضاف في كلمات مُهينة لأعرق جامعة أمريكية تتصدر في معظم السنوات قائمة أفضل الجامعات العالمية 'إنّ هارفارد مجرد مهزلة، تُعلّم الكراهية والغباء، ولا ينبغي أن تتلقى تمويلاً فيدرالياً بعد الآن'. إن موقف ترامب من جامعة 'هارفارد' يمثل أنموذجاً لمحاولة إدارته التدخل في شؤون الجامعات الأمريكية، والمقصود تلك المتعلقة بقبول الطلبة، وتعيين أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وانتقاء البرامج الأكاديمية التي تؤمن بقيمتها وأهميتها، وقد شجع ترامب على موقفه هذا 'رضوخ' عدد من الجامعات الأمريكية الشهيرة (كولومبيا مثلاً) للتدخل الحكومي الذي تمارسه إدارته، في حين رفضت هارفارد ذلك، وغني عن القول أنّ مما يعزز موقف هارفارد الرافض هذا، أنها مؤسسة ناجحة وثرية (تزيد موازنتها عن 50 مليار دولار) ولها استثمارات ناجحة داخل الولايات المتحدة وخارجها، كما تتلقى تبرعات كبيرة ومنتظمة من عدد كبير من الداعمين. إنّ موقف ترامب يثير من جديد، مسألة 'استقلالية' الجامعات، وحريتها الأكاديمية في مجتمعها الأكاديمي، وبخاصة أن التعليم في الولايات المتحدة، ليس من شأن الحكومة الفيدرالية، بل من شأن الولايات (States) حسب الدستور الأمريكي، والواقع أن هذا الموضوع لا يتعلق بالجامعات الأمريكية فقط، بل يتعلق بكل جامعة محترمة في العالم، فما لم تكن الجامعة مستقلة إدارياً ومالياً بشكل حقيقي، فإنها لا تستطيع أن تمارس دورها الأكاديمي كما يجب، وما لم تحظَ الجامعة بالحرية الأكاديمية (اختيار طلبتها، اعتماد برامجها، تعيين أساتذتها وموظفيها والحفاظ على حقوقهم في إطار القانون) فإنها لا تستطيع ممارسة دورها الأكاديمي الصحيح. إنّ مما يحزن حقاً في موقف ترامب من الجامعات الأمريكية عموماً، ومن جامعة هارفارد تحديداً هو أنه غير مسبوق، حيث دأب جميع الرؤساء قبله على احترام استقلالية الجامعات الأمريكية، وعدم التدخل في شؤونها، وفي أنه مدفوع بدوافع سياسية تتعلق بموقفه السياسي من 'حماس'، ومن موضوع (النزعة اللاسامية) حيث يزعم أنه يريد أن يستأصل نزعة ' معاداة السامية' من الجامعات، كما يريد أن يلاحق أنصار 'حماس' ويطردهم من حرم الجامعات الأمريكية. إنّ موقف ترامب من 'الأكاديميا' الأمريكية يطرح على الطاولة أيضاً وبقوة موضوع حقوق الطلبة في التعبير عن مواقفهم السياسية داخل حرم جامعاتهم، وهذا ما حصل حقيقةً في ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة فقد خرجت أعداد كبيرة من الطلبة الأمريكيين في الجامعات، وبالذات جامعات النخبة (هارفارد، كولومبيا، MIT ....) ضد هذه الحرب، ولم يكونوا وحدهم في ذلك، فقد خرج أمثالهم في الجامعات الأوروبية العريقة كجامعة 'أكسفورد' في بريطانيا، و'السوربون' في فرنسا. هل يستطيع ترامب 'لجم' الجامعات الأمريكية وإخضاعها لقناعاته السياسية الجدلية؟ سوف ننتظر لنرى!
إنّ من المُتعارف عليه أن هناك مؤشرات عديدة تميّز الدول العظمى عن غيرها كالقوة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، ومن المُتعارف عليه أيضاً أن 'القوة الناعمة' (Soft Power) هي أحد مؤشرات عظمة الدول.
وهي، حسب 'جوزيف ناي' الذي صاغ هذا المفهوم؟ 'القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، أو استخدام القوة للإقناع'.
وإذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال، فإننا نلاحظ بسهولة أنها تتوفر على كثير من مؤشرات القوة حيث تملك أقوى جيش في العالم (ترسانة نووية استراتيجية تزيد عن 6000 رأس نووي و 800 قاعدة عسكرية منتشرة على مستوى العالم)، ويشكل اقتصادها ربع الاقتصاد العالمي، ولها نفوذ (leverage) مشهود يعرفه كل من هو مهتم بالشأن السياسي، وفضلاً عن ذلك فإنّ للولايات المتحدة' قوة ناعمة' أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ويدل على ذلك توق الكثيرين من البشر، وفي كافة البلدان، إلى زيارة الولايات المتحدة، أو العمل فيها، أو الهجرة إليها، أو التعلم في جامعاتها ومعاهدها، ومن هنا تأتي أهمية موقف ترامب وإدارته من الأكاديميا الأمريكية المُمثلة في جامعاتها المرموقة أساساً، والذي يهدف من خلاله إلى 'تطويع' الجامعات الأمريكية، والتدخل السافر في شؤونها، ومصادرة استقلاليتها.
لقد اتضح موقف ترامب هذا أخيرا، وبكل جلاء، حين أوقف المساعدة الفيدرالية البالغة ما يقارب (2) مليار دولار لجامعة هارفارد، ولم يكتفِ بذلك، بل هدّد بعدم شمولها بالإعفاء الضريبي الذي تستفيد منه كمؤسسة غير ربحية (Non-Profit Organization) وأسوأ من ذلك أنه أعلن بأنه قد يوعز إلى إدارته بعدم تمكين الجامعة من تسجيل طلبة من الخارج في برامجها، حيث يزيد هؤلاء في العادة عن 27% من طلبة الجامعة، ومن الطريف حقاً أنه لم يتردد في القول على منصته 'تروت سوشيال' للتواصل الاجتماعي 'لم يعد من الممكن اعتبار هارفرد مكاناً لائقاً للتعليم، ولا ينبغي أن تتلقى تمويلا فيدرالياً بعد الآن'، وقد أضاف في كلمات مُهينة لأعرق جامعة أمريكية تتصدر في معظم السنوات قائمة أفضل الجامعات العالمية 'إنّ هارفارد مجرد مهزلة، تُعلّم الكراهية والغباء، ولا ينبغي أن تتلقى تمويلاً فيدرالياً بعد الآن'.
إن موقف ترامب من جامعة 'هارفارد' يمثل أنموذجاً لمحاولة إدارته التدخل في شؤون الجامعات الأمريكية، والمقصود تلك المتعلقة بقبول الطلبة، وتعيين أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وانتقاء البرامج الأكاديمية التي تؤمن بقيمتها وأهميتها، وقد شجع ترامب على موقفه هذا 'رضوخ' عدد من الجامعات الأمريكية الشهيرة (كولومبيا مثلاً) للتدخل الحكومي الذي تمارسه إدارته، في حين رفضت هارفارد ذلك، وغني عن القول أنّ مما يعزز موقف هارفارد الرافض هذا، أنها مؤسسة ناجحة وثرية (تزيد موازنتها عن 50 مليار دولار) ولها استثمارات ناجحة داخل الولايات المتحدة وخارجها، كما تتلقى تبرعات كبيرة ومنتظمة من عدد كبير من الداعمين.
إنّ موقف ترامب يثير من جديد، مسألة 'استقلالية' الجامعات، وحريتها الأكاديمية في مجتمعها الأكاديمي، وبخاصة أن التعليم في الولايات المتحدة، ليس من شأن الحكومة الفيدرالية، بل من شأن الولايات (States) حسب الدستور الأمريكي، والواقع أن هذا الموضوع لا يتعلق بالجامعات الأمريكية فقط، بل يتعلق بكل جامعة محترمة في العالم، فما لم تكن الجامعة مستقلة إدارياً ومالياً بشكل حقيقي، فإنها لا تستطيع أن تمارس دورها الأكاديمي كما يجب، وما لم تحظَ الجامعة بالحرية الأكاديمية (اختيار طلبتها، اعتماد برامجها، تعيين أساتذتها وموظفيها والحفاظ على حقوقهم في إطار القانون) فإنها لا تستطيع ممارسة دورها الأكاديمي الصحيح.
إنّ مما يحزن حقاً في موقف ترامب من الجامعات الأمريكية عموماً، ومن جامعة هارفارد تحديداً هو أنه غير مسبوق، حيث دأب جميع الرؤساء قبله على احترام استقلالية الجامعات الأمريكية، وعدم التدخل في شؤونها، وفي أنه مدفوع بدوافع سياسية تتعلق بموقفه السياسي من 'حماس'، ومن موضوع (النزعة اللاسامية) حيث يزعم أنه يريد أن يستأصل نزعة ' معاداة السامية' من الجامعات، كما يريد أن يلاحق أنصار 'حماس' ويطردهم من حرم الجامعات الأمريكية.
إنّ موقف ترامب من 'الأكاديميا' الأمريكية يطرح على الطاولة أيضاً وبقوة موضوع حقوق الطلبة في التعبير عن مواقفهم السياسية داخل حرم جامعاتهم، وهذا ما حصل حقيقةً في ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة فقد خرجت أعداد كبيرة من الطلبة الأمريكيين في الجامعات، وبالذات جامعات النخبة (هارفارد، كولومبيا، MIT ....) ضد هذه الحرب، ولم يكونوا وحدهم في ذلك، فقد خرج أمثالهم في الجامعات الأوروبية العريقة كجامعة 'أكسفورد' في بريطانيا، و'السوربون' في فرنسا.
هل يستطيع ترامب 'لجم' الجامعات الأمريكية وإخضاعها لقناعاته السياسية الجدلية؟ سوف ننتظر لنرى!