اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي النحلة حياصات
في زمن باتت فيه المعايير الأخلاقية والاجتماعية «مخربطة»، على حدّ تعبير العامة، يطفو على السطح من جديد الحديث عن 'النزاهة'، وتحديدًا النزاهة الأكاديمية، وكأنها مصطلح مستورد من عالم نظري منفصل عن الواقع المعاش في مؤسساتنا التعليمية. غير أن المفارقة الكبرى تكمن في أن من يتصدرون اليوم مشهد التنظير حولها، هم ذاتهم من تخلّوا عنها حين كانوا في مواقع المسؤولية، بل وانخرطوا في ممارسات تشكل النقيض التام لما يروجون له اليوم!
لا يمكن الحديث عن النزاهة الأكاديمية بمعزل عن السياق الأوسع للنزاهة كمبدأ قيمي شامل. فالنزاهة ليست مجرد شعارات أو مقالات تُكتب لتزيين صفحات الجرائد أو نيل رضا الرأي العام او المسؤولين في مواقع الدولة المختلفة، بل هي سلوك يومي وموقف أخلاقي ثابت، يتجلى في احترام الذات والمؤسسة، وفي قول الحقيقة وإن خالفت المصلحة الخاصة.
كيف يمكن التوفيق بين التنظير الواسع لمبادئ النزاهة، وبين سجل بعض قيادات المؤسسات الأكاديمية التي شهدت في فترات سابقة مخالفات خطيرة في مجال البحث العلمي، تم التعامل معها بالتجاهل أو التسويف، بل وتمت ترقية بعض المتورطين فيها بدلاً من محاسبتهم؟ مثل هذه المفارقات تضع علامات استفهام حول مصداقية الخطاب الأكاديمي المتداول، وتدفعنا للتساؤل: هل النزاهة الأكاديمية مبدأ يُمارَس، أم شعار يُستدعى عند الحاجة لتلميع الصورة أو تصفية الحسابات؟
النزاهة لا تتجزأ. لا يمكن أن يكون الإنسان نزيهًا في مقالته ومتساهلا مع بعض محاسبية في موقعه. كما أن النزاهة لا تتوقف عند احترام القواعد الأكاديمية، بل تمتد إلى الأخلاق العامة والسلوك الشخصي. من غير المقبول أن يتقمص البعض دور الأستاذ النزيه أمام الطلبة والمجتمع، ثم يُمارس ألفاظًا وسلوكيات في الخفاء لا تليق حتى بمن نشأ في بيئات غير اخلاقية. النزاهة الحقيقية تبدأ من احترام الإنسان لنفسه، ولمن حوله، وللمجتمع الذي ينتمي إليه.
ثم إن النزاهة تتطلب انسجامًا مع القيم المجتمعية العامة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بمواقف وطنية وسيادية كقضية التطبيع الأكاديمي مع الاحتلال الصهيوني. من المؤسف أن نرى قلة قليلة من الأكاديميين الأردنيين تنخرط في مشاريع أكاديمية مع مؤسسات إسرائيلية، ثم لا تجد من يردعها أو يحاسبها، في حين تلتزم الأغلبية الصامتة بموقف وطني وأخلاقي واضح. النزاهة تقتضي رفض هذا النوع من الاختراقات، ومقاومتها علنًا لا التستر عليها باسم 'التعاون العلمي'.
ما نحتاجه اليوم ليس خطابًا تجميليًا عن النزاهة، بل مراجعة حقيقية وجذرية لواقع المؤسسات الأكاديمية، ولأخلاقيات من يتولون إدارتها، ومن يتحدثون باسمها. فالنزاهة الأكاديمية ليست مجرد ضمير معرفي، بل التزام عملي ومسؤولية تجاه الطلبة والمجتمع والوطن.
آن الأوان لأن نقول بوضوح: من فقد نزاهته حين كان صاحب قرار، لا يحق له أن يدّعيها لاحقًا في كتاب أو مقال. فالمبادئ لا تُرتدى حسب الموسم، ولا تُمارس حسب المصلحة، بل تُعاش وتُثبت بالمواقف لا بالكلمات.