اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة مدار الساعة الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٦ أيار ٢٠٢٥
كنت قد كتبت قبل أيام أنَّ التعليم قد يكون مدخلا للإصلاح، ولكنه لا يكفي أي دولة للنهوض الشامل إن لم يترافق مع إصلاحًا شاملا يتضمن إصلاح الحياة السياسية بقاعدتيها الرئيستين الحرية والديمقراطية ضمن إطار متدرج ومدروس ينتقل بالبلاد والعباد إلى نموذج الدول المتقدمة، وهو بالضرورة يجب أن يترافق مع إصلاح إقتصادي وإجتماعي شامل ضمن مفاهيم الحرية الإقتصادية والإجتماعية شريطة الحفاظ على المنظومة القيمية والتماسك المجتمعي والأمن والإستقرار، وغياب مفهوم الإقصاء تحت أي عنوان، وهو المفهوم الذي حطم أحلام شعوبًا ودولا في جوارنا والعالم رغم استخدام أصاحبه للغرابة ذات العنوان أن هذه هي الديمقراطية وهذا ما يناسب شعوبنا، وتحت هذه الشعرات تغيب الفرص والمساواة والحقوق ويستمر البعض بالقول في جميع هذه الدول أنهم يمارسون العدالة بأبهى صورها والمساواة تتحقق بسحر فانوس علاء الدين وأن الشعوب تحت ظل هذه الأنظمة تنعم بعدالة وحقوق لن تجد مثيلا لها في ديمقراطية أثينا؟ . ولكني هنا بعيدًا عن المقدمة سأتناول مفهوم التعليم، وسأفرد لباقي العناوين مقالات أخرى على فترات حتى يأخذ كل عنوان حقه، وهنا لا بد من الحديث على أن عالم اليوم قد ارتقى بعيدًا في تقدم نماذجه في التعليم إلى درجة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وضع التعليم في موقع الصدارة في برنامجه الإنتخابي بل وأصبح هاجسه الأول بعد نجاحه في الإنتخابات وبعيدًا عن الإتفاق أو الإختلاف مع مفاهيمه فهو محق في أن كثيراً من دول العالم قد تجاوت النموذج الأمريكي في التعليم، أما في الأردن فلا شك أن الإختبارات الدولية لجودة التعليم تظهر أن دولا كثيره قد تجاوزت الاردن وهذا يدعو الى القلق من المستقبل رغم استحداث المركز الوطني لتطوير المناهج وخطة تطوير امتحان الثانوية العامة، وهي خطوات لا شك في صوابيتها ولكن الطريق طويل لاكتمال نموذج أردني متقدم وقادر على المنافسة في زمن الفضاءات الكبرى والتحولات الرقمية وتغير طرائق وأساليب التعليم والتعلم لأن عالم اليوم قفز إلى الأمام قفزات هائلة كانت تحتاج إلى عقود عديدة حتى يحقق ما حققه اليوم على صعيد التعليم والتعلم، وفي شكل مدرسة وجامعة المستقبل، ومهن المستقبل ومهاراته؛ لأنّ القفزة إلى الأمام في مجال التعليم ستكون أساسًا لكل شيء لاحق؛ لا سيّما في مرحلة باتت تتسابق فيها الدول في اقتصاديات المعرفة، واستثمار الموارد البشرية.و هنا لم يعد خافيًا على أحد أنّنا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأنّنا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة.إن ما سبق يؤدي مباشرة إلى محاولة فهم عميق لمجمل ما يحدث في العالم في كيفية تطوير كل ما يتعلق بالتعليم والتعلم دون الأخذ المباشر بإجراءات سطحية ومحاولات ترقيعية لنموذج هنا أو هناك، والتطوير الإبداعي له مؤشرات وقواعد وأسس هي من تؤكد قدرة الشعوب على الانبعاث، وتجنيب الحضارة الإنسانية الأفول والانهيار عند وقوع النكبات والحروب والأوبئة، ولا شك في أنّ العالم يبدي ارتباكًا واضحًا أمام الثورات والتغيرات التي يشهدها في الزمن الرقْمي والافتراضي في ظل الأزمات ، ولكن المتتبع للتطورات التي تحصل اليوم في العالم الافتراضي والثقافة الرقْمية وتطور التعليم والتعلم ونماذجه يشعر ببداية التكيف والتفاعل مع الواقع الجديد، وصفًا وتحليلَا، متجهًا إلى الإبداع بصوره كافة فأين نحن من كل ذلك رغم محاولات وتجارب تنجح أحيانًا وتخفق أحيانًا أخرى، والراجح أنّ الزمن الرقْمي والفضاء الافتراضي اليوم بصدد الإجهاز تمامًا على الشكل التقليدي في كل شيء، وسيكون التعليم في مقدمة الثورات التي سيشهدها العالم، على الرغم من كل ما يُقال عن عثرات ما مارسته دول العالم في إطار تعاملها التطور الرقمي في التعليم وغيره. أصبح الذكاء الاصطناعي منذ عقدين تقريبًا يتحكم بصياغة المستقبل، وهي الإشارة التي تعلن عن امتلاك شكل المستقبل وقد تُغيّر مجرى التاريخ، تمامًا مثلما هي الآن تعيد صياغة الفضاء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن يسعَ إلى رسم خارطة للمستقبل استشرافيًّا، فلا بد له من أن يختزل التفاصيل المحبطة كلها اليوم لصالح ما يفترضه الواقع الذي انتجته الثورتان الرابعة والخامسة بتفاصيلها كلها، مختزلًا أحداث بحدّ عينها لصالح التفكير في مستقبل بدأت ملامحه تتشكل سريعًا. إنّ ما يحدث يعيد رسم معالم المستقبل ويبرمج الواقع الجديد، بقدر نجاح التكنولوجية في تحرير الوعي التاريخي من قبضة الصيغ التقليدية، والثقافة العالمية، ثم ربطه بعاطفة الأفراد. ولنأخذ المؤسسة التعليمية الافتراضية، أو الإلكترونية مثالًا؛ إذ تُعدّ مؤسسة تقدم للطلبة تعليمًا عبر الإنترنت؛ من خلال منصات متعددة الخصائص، ولن يبقى شكلها على ما هو عليه طويلا؛ حيث ستشهد تحولات نوعية قريبًا. إلى جانب تطور أساليب وطرائق التعليم الوجاهي وإعداد المعلمين وتطوير المناهج والكتب الدراسية والإثرائية في المستقبل القريب فإن كل ما يحتاج إليه الفرد سواء أكان طالب مدرسة، أم جامعة هو جهاز حاسوب، أو أي جهاز لوحي آخر متصل بالإنترنت، ثم تسجيل الدخول إلى بوابة الطالب على موقع الويب الخاص بمدرسته، أو جامعته، ثم الوصول إلى الواجبات، وحلها، ونشرها، ومتابعة عروض أعضاء هيئة التدريس التقديمية، ومناقشة الطلبة، وإجراء البحوث وغيرها، والوصول إلى الدورات أو الدروس من أي مكان وفي أي وقت؛ لأنّ الطالب له حرية إكمال الدراسة، أو حل الواجبات في أي وقت، ومن أي مكان، وهي القاعدة التي تقول 'إنّ للضرورةِ أحكامًا'؛ دون إغفال بدهيّات التعلم ومهاراته الأساسية والتفاعل الصفي والتعلم الوجاهي. هكذا هي الحياة في التعليم وغيره، ومن هنا كانت النظم التعليمية تتطور في سعيها الدائم إلى مواكبة ما يجري في العالم، نحو: تمليك الطلبة مهارات يتطلبها العصر الجديد، ومعلمين يقومون على التنشئة والتعليم والرعاية لطلبتهم لبناء جيلٍ متعلم ومثقف وريادي، وهو ما يتطلب معلمين مدربين ومؤهلين ومنتقين وفق معايير متخصصة؛ لأنّ مستوى جودة أيّ نظام تربوي في العالم، يُقاس بنوعية معلميه قبل أي شيء آخر. إنّ التعليم المطلوب هو المتمازج والخليط والمزيج من عنصري التعليم التقليدي والإلكترونيّ معًا في الحصة الصفية؛ لتحقيق النتاجات المرجوة منه. ولا شكّ في أنّ هذا المنحى في التفكير يقودنا جميعًا إلى البحث عن كيفية إيجاد الحلول لمشكلاتنا كلها، ولا سيّما مشكلة التعليم والتعلُّم، والمعضلات التي تواجهها الأنظمة التعليمية في كل الأوقات، وعن استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم، وتمكين المعلمين؛ لاستثمارها في زمن الأزمات؛ لأنّ عالم اليوم يشهد تطورات هائلة ستقودنا بالضرورة إلى إيجاد الحلول لمشكلاتنا كلها، لا على صعيد التكنولوجيا والتقنية فحسب، بل في جوانب الحياة كلها، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا؛ فالثورتان التكنولوجيتان الرابعة والخامسة القادمتان بشكل سريع، صبغتا عالم اليوم بلونهما، ووقف الإنسان مذهولًا أمامهما، على الرغم من أنّه هو الذي أوجدها وطورها، فنحن نرى اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية ونعيشه، وعصر الحاسوب والإنترنت، والاتصالات وأجهزة الاستقبال، التي حوّلت العالم بل الكون كله قرية صغيرة، ومكّنت الإنسان من الحصول على المعلومات والبيانات التي يحلُم بها بدقائق معدودة، ولكنّه أيضًا حمل وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم والتعليم. إنّ التطور العلمي والتقني لم يقتصر على الاختراعات والصناعات المختلفة فحسب، ولكنه أيضًا شمل العلوم الإنسانية والتربوية، وعلى الرغم من أنّه كان تطورًا مفيدًا في جوانب كثيرة، إلا أنّه أيضًا كان مخيفًا ومربكًا في جوانب أُخرى، وعلى كل حال، فإنّ التطور في المجال التربوي التعليمي، كان يجب أن يحدث جنبًا إلى جنب مع المجال التكنولوجيّ؛ لأنّ كلا المجالين يكملان بعضهما الآخر، ولأنّ التطور التكنولوجي يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين؛ كي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي؛ لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية، والوسائل التي تمكّن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على أهمية استخدام التكنولوجيا بوصفها أساسًا ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية؛ لأنّها تمثل ضرورة في جميع نواحي الحياة، إلا أنّها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلُّمَ حقيقيًّا اليوم دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وأدواتها العالمية. واليوم، وقد بدأت الأنظمة التربوية تتداعى للتفكير بضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغضّ النظر عن الجنس أو مكان السكن أو الطبقة الاجتماعية، وفي الأوقات كلها، عادت مفاهيم التعليم عن بعد، واستخدام التكنولوجيا في التعليم تحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين التربويين، لا على الصعيد الوطني فحسب، بل على مستوى العالم أيضًا، وهذا كله لن يحسّن التعليم والتعلم فحسب، بل سيحسن أيضًا مظاهر الحياة كلها، حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي، وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات الطلبة جميعهم على اختلاف إمكاناتهم وقدراتهم؛ وهذا يتطلب توفير المحتوى المناسب، ووسائل الربط الإلكتروني، ومصادر المعرفة الرقْمية؛ لمحاكاة مجتمع متنوع، وضمان التعلُّم للجميع. ولأنّ التعليم عن بعد لا يحقق النتائج المطلوبة إذا بقي متروكًا لجهود المعلمين والطلبة الفردية، وقدرتهم على الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم أحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز الامتحانات؛ ما يقودنا إلى البحث في مفاهيم التعلم، والتعليم، والتعليم عن بعد. إنّ التعليم المتمازج يخدم مهارات القرن الواحد والعشرين، التي تبدأ بيُسر العمل به؛ إذ يمكن تطبيقه في الغرفة الصفية وخارج حدود المدرسة الزمانية والمكانية، ويرفع العبء عن المعلم في تلقينه الدرس للطلبة، وتحمُّل عناء ملل الموقف التعليمي، مؤمِّنًا التفاعل المطلوب في الحصة، مخففًا الأعباء الإدارية عبر الوسائل الإلكترونية في إيصال المعلومة والأنشطة المنزلية للطلبة وتقييم العمل، ويمنح المعلم فرصة لإدارة المصادر التعليمية المتاحة بحكمة وذكاء. لا شكّ في أنّ التطوُّرات العديدة التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي ووسائل الاتصال 'الثورة الرابعة' أسهمت كثيرًا في تقدُّم الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة في عدد سكان العالم، وصعوبة توفير فرص التعلُّم للجميع، إلى جانب فوات الأوان لعديد من البشر في انتهاز فرص التعلم، أسهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الحاجات المتزايدة بخطوات سريعة. وانطلاقًا من مبدأ (التعلم للجميع) وتعزيزًا له ظهر نظام التعليم عن بعد، وبناء على ذلك يتمكَّن المُتعلِّم من أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكيّف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتوافق والأوضاع والظروف الخاصة به، فالتعليم عن بعد نظام لتوفير التعلُّم للناس أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم استكمالًا لنظام التعلُّم الصفي التقليدي، أم نظامًا مستقلًّا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة. والتعليم عن بعد أيضًا ينصّ على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة، أو في إعداد المواد التعليميَّة القائمة على التعلُّم الذاتي، أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة، أو في تقييم المناهج التعليميَّة، أو تقييم تحصيل المُتعلِّمين. إنّ التعليم عن بعد وعن قرب معًا 'التعليم المتمازج' يعدّ تعليمًا ثوريًا يقوم أساسًا على فلسفة تُؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده، دون التقيد بالطرائق أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية؛ لضمان استمرار العملية التعليمية في الظروف كلها؛ لإعطاء الطلبة حقهم في التعليم كما كفلته الدساتير والمواثيق والعهود الدَّوْلية؛ كون التعليم حقًّا إنسانيًّا أساسيًّا للطلبة فيالظروفجميعها.
كنت قد كتبت قبل أيام أنَّ التعليم قد يكون مدخلا للإصلاح، ولكنه لا يكفي أي دولة للنهوض الشامل إن لم يترافق مع إصلاحًا شاملا يتضمن إصلاح الحياة السياسية بقاعدتيها الرئيستين الحرية والديمقراطية ضمن إطار متدرج ومدروس ينتقل بالبلاد والعباد إلى نموذج الدول المتقدمة، وهو بالضرورة يجب أن يترافق مع إصلاح إقتصادي وإجتماعي شامل ضمن مفاهيم الحرية الإقتصادية والإجتماعية شريطة الحفاظ على المنظومة القيمية والتماسك المجتمعي والأمن والإستقرار، وغياب مفهوم الإقصاء تحت أي عنوان، وهو المفهوم الذي حطم أحلام شعوبًا ودولا في جوارنا والعالم رغم استخدام أصاحبه للغرابة ذات العنوان أن هذه هي الديمقرا