اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
موقف الصحافة الأردنية من تصوير الرجال كمظلومين في نظام أسري منحاز للنساء… بين سردية جاهزة وواقع لا يريد أحد أن يراه
كتب فراس عوض في الأردن، بقيت الصحافة لعقود أسيرة سردية واحدة حين يتعلق الأمر بالأسرة.. سردية الرجل المعتدي والمرأة الضحية. لم يكن ذلك عن سوء نية، بل لأن الخطاب العام صيغ - منذ سنوات طويلة - من جهة واحدة امتلكت القدرة على التمويل والظهور والتأثير، بينما ظل الرجل صامتًا، لا يكتب، ولا يشتكي، ولا يسرد قصته. فامتلأت الصفحات بأصوات نسوية منظمة، بينما غاب صوت الرجل كليًا، لا لأنه بلا قضية، بل لأن أحدًا لم يفتح له نافذة يطل منها.
ومع ذلك، فإن السنوات الأخيرة كشفت هشاشة هذا النموذج. إذ بدأت تظهر - ولو بخجل - إشارات إلى أن النظام الأسري في الأردن قد يكون منحازًا في بعض جوانبه، وأن الرجال يتعرضون لأشكال متعددة من الظلم: في الحضانة، وفي النفقة، وفي الاتهامات الكيدية، وفي القيود القانونية التي تجعلهم دائمًا في موقع المُدان حتى يثبت العكس. ولكن، بدلًا من أن تتعامل الصحافة مع هذه الحقائق بجرأة، غالبًا ما لجأت إلى تصنيف أي حديث عن مظلومية الرجل ضمن خانتين جاهزتين: إما 'محاولة تبرير العنف ضد المرأة”، أو 'خطاب رجعي يهدد منجزات المرأة”.
بهذا الاختزال، لم تمنح الصحافة الفرصة لفهم الصورة الكاملة: أن ظلم الرجل في كثير من الحالات لا يُسقط حق المرأة، ولا يناقض حمايتها، ولا يعيدنا إلى الوراء. بل هو جزء من معادلة أكبر: أسرة تحتاج إلى عدالة متوازنة، لا عدالة انتقائية. لكن الخطاب الإعلامي - المُرتبط في كثير من الأحيان بشبكات تمويل خارجي أو أجندات جاهزة - كان أقرب إلى التجاهل منه إلى الفهم. كلما ظهر صوت يناقش معاناة الرجال، ويدعو إلى مراجعة القوانين، ويفتح السؤال حول حضانة مشتركة أو نفقة عادلة أو إجراءات قضائية أكثر عدلًا، سارعت بعض المنابر إلى وصفه بالذكورية أو مناهضة حقوق المرأة، وكأن مجرد التفكير في عدالة الطرفين هو تهديد بنيوي لدور المرأة.
هذا التوصيف الجاهز خلق خوفًا لدى الصحفيين أنفسهم: صار التحرير يحسب ألف حساب لأي مقال يقترب من هذا الملف، ليس خشية الحقيقة، بل خشية الاتهام. وهكذا ظل الألم بلا لغة، ومظالم الرجال بلا منصة، والأسرة بلا رواية كاملة.
ومع ذلك، فإن واقع الأردن اليوم لم يعد يحتمل هذا الصمت. الأرقام، والوقائع، وتجارب الناس اليومية كلها تقول إن الظلم حين يقع على الرجل لا تبقى الأسرة متماسكة، ولا تستفيد المرأة ولا الطفل، بل ينهار التوازن بكامله. فالأسرة ليست مشروعًا نسويًا ولا ذكوريًا، ولا مساحة لتسجيل المكاسب. هي وحدة إنسانية تحتاج إلى صوتين، ورؤية مشتركة، وعدالة لا تخجل من قول الحقيقة.
إن الصحافة الأردنية قادرة - لو أرادت - على لعب دور تاريخي: فتح باب النقاش دون خوف، إعطاء مساحة للرجل كما للمرأة، تفكيك النصوص القانونية بموضوعية، وإعادة بناء خطاب إعلامي جديد لا يبحث عن عدو، بل يبحث عن أسرة أقوى وعدالة أعمق وإنسانية تُنصف الجميع.
هذا التحول ليس تمردًا على أحد، بل خطوة نحو مجتمع أكثر تماسكًا وأقل توترًا، مجتمع لا يرى الرجل منافسًا للمرأة، ولا المرأة خصمًا للرجل، بل شريكين في حياة واحدة، ومصير واحد، وعدالة واحدة.












































