اللواء العجلوني يكتب: خطة ترامب تضع المقاومة في غزة بين خيارين أحلاهما مر! #عاجل

اللواء العجلوني يكتب: خطة ترامب تضع المقاومة في غزة بين خيارين أحلاهما مر! #عاجل

كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني -

خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب او بشكل ادق خطة 'ترامب نتنياهو' المعروفة بـ21 بندًا، لم تُصَمَّم كمجرد مبادرة إنسانية لوقف حرب الإبادة على غزة، بل وثيقةٌ تحمل في بنودها شروطا أمنية وعسكرية وسياسية تُلزم المقاومة بتنازلات جوهرية بل وجودية لا تترك مجالًا فعليًا للمساومة أو النقاش الجدي حول عناصرها الأساسية.

إذ تُطالب الخطة -حسب النصوص المعلنة- بإطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة ضمن مهلة قصيرة (72 ساعة) بعد قبول الكيان بها، وتسليم سلاح المقاومة وتفكيك الأنفاق والبُنى العسكرية وإخراج رجال المقاومة أو منحهم «مسارات مغادرة آمنة»، وتشكيل إدارة انتقالية تحت وصاية مجلس رقابة دولي يشرف على إعادة الإعمار والأمن يرأسه ترامب بنفسه ويديره بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق. هذه البنود تُعيد رسم خريطة السيطرة في غزة من خلال شروط تُقوّض بل تنهي وجود المقاومة كقوة فاعلة.

لكن الأهم أن الخطة صيغت من طرف واحد بطريقة لا تسمح بإبداء الرأي ولا تفتح باب تفاوض حقيقي: هي وثيقة أحادية الشروط إلى حدّ كبير او اتفاقية إذعان، إما تقبل بها حماس ومعها جميع فصائل المقاومة بكل بنودها او ترفضها (Take it or Leave It). إنها تضع سقفًا مفروضًا للمطالب دون منح الطرف الفلسطيني الدخول في حوار جوهري حول ضمانات سياسية طويلة الأمد (رفع الحصار والدولة الفلسطينية المستقلة ومستقبل القدس). بهذا الصياغة، لا تضع الخطة إطارًا للتفاوض بل إطارًا للاختيار بين الاستسلام أو المواجهة.

سياسيا ودبلوماسيا، هذه الخطة تم إعدادها بروية وتحضير مدروس وربما بمشاركة بعض دول المنطقة المؤثرة، ولم تُطرح في فراغ بل تم دعمها بغطاءٍ إقليمي ودولي يصحبه تعهد بإعادة إعمار القطاع المدمر، بتمويل سخي من دول الخليج بشكل رئيسي، مما يُسهل تحويل الخطة إلى واقع تنفيذي بسرعة نسبية. إن دعم الدول العربية والإسلامية القوي لهذه الخطة كما صرح به ترامب نفسه يقلّص هامش المناورة السياسي لحركة حماس. هذا الدعم السياسي من دول الإقليم المؤثرة يضغط على المقاومة ويفاقم عزلتها السياسية ويزيد من تكلفة الرفض.

على الأرض، الواقع الميداني يجعل الخيارات أقسى. فالدمار الواسع للبُنى التحتية والأزمة الإنسانية المتفجرة والنقص الحاد في مقومات الحياة الأساسية، كلهاعوامل قد تدفع قيادة حماس التي تتحمّل مسؤولية شعبية كبيرة إلى تفضيل خيارٍ يقلّص معاناة الناس فورًا حتى لو تطلب ذلك تنازلات استراتيجية. في ظرفٍ كهذا، يصبح السؤال الأخلاقي والإستراتيجي الذي يواجه حماس: هل تُضحّي الحركة بجزءٍ من مشروعها السياسي والعسكري اليوم ولو مؤقتا حفاظًا على حياة المدنيين وبقاء القطاع بمستوى أدنى من الانهيار؟ أو هل تُصرّ على رفضٍ قد يقود إلى مزيد من التدمير وربما تهجيرٍ واسع؟ هذا الواقع الصعب والقاسي يجعل الاحتمالات لا تصبّ في صالح خيارٍ واحد واضح لا مرارة فيه.

هل هذا الواقع السياسي والميداني، الذي لا يصب لصالح المقاومة، يعني أن حماس ستقبل مكرهة؟ التاريخ السياسي والنزاعات بين فصائل المقاومة و جيوش الدول الغازية يُشير إلى أن حركات المقاومة قد تختار في نهاية المطاف الصيغ الأقل ضررًا عند مواجهة كارثة إنسانية وغياب غطاء إقليمي داعم، فتدخل في تفاهمات مرحلية: هدنة مطوّلة وتسهيلات إنسانية مقابل تنازلات أمنية مؤقتة، وتوسط وسطاء إقليميين لتخفيف بنود «الإذعان» الصريحة.

ومع ذلك، قد تقرر المقاومة أن قبولا بهذا الشكل لا يعني استسلامًا نهائيًا بالضرورة؛ بل قد يأخذ شكلًا تكتيكيًا يهدف إلى إبقاء بعض المساحات السياسية والإنسانية مفتوحة إلى حين تحسّن موازين القوى، مع الإكتفاء ببقاء روح المقاومة حية على أمل نمو أذرع جديدة لها في المستقبل تمكنها من مواصلة كفاحها من اجل التحرير. لكنّ الخلاصة القاسية تبقى: الخطة بهذه الصياغة تُحَقِّق اهداف نتنياهو وحكومته الفاشية المتطرفة -تفكيك القدرة العسكرية وإنهاء المقاومة المسلحة وفرض آليات رقابية صارمة على القطاع- وتضع المقاومة أمام خيارين أحلاهما مرّ!

الاستنتاج السياسي والأخلاقي واضح: إن أردنا حلا عادلا ودائما للقضية الفلسطينية بعيدا عن السيطرة والهيمنة الصهيو امريكية، لا بد من ربط أي وقف للحرب بآليات سياسية دائمة تتمثل في رفع حصار حقيقي عن القطاع وضمانات لحقوق الشعب الفلسطيني ومسار تفاوضي حقيقي شامل حول القضايا الجوهرية وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي اعترفت بها معظم دول العالم. بخلاف ذلك، سنشاهد رفعًا مؤقتا لآلة الدمار الصهيونية مقابل تهدئةٍ إنسانية ظاهرة، بينما تبقى جذور الصراع حاضرة لتتفجر لاحقا.