اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
تفاصيل الصفقة بين إسرائيل وحماس: إطلاق الأسرى خلال 72 ساعة وانسحاب جزئي من غزة
زياد فرحان المجالي
في تطوّرٍ سياسيّ هو الأبرز منذ اندلاع حرب غزة، أُعلن مساء الأربعاء في شرم الشيخ عن التوصّل إلى اتفاقٍ أوليّ بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقضي ببدء تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى خلال 72 ساعة من تصديق الحكومة الإسرائيلية عليها.
بنود الصفقة
بحسب وسائل إعلام عبرية ودولية، ستحصل إسرائيل على 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء خلال الأيام القليلة المقبلة، على أن يلي ذلك تبادل جثامين يشمل 28 قتيلًا إسرائيليًا مقابل جثامين فلسطينية بمعدل جندي مقابل 15 فلسطينيًا.
ووصفت تل أبيب الاتفاق بأنه 'تاريخي”، إذ يتضمن انسحابًا جزئيًا للجيش الإسرائيلي من نحو 47% من أراضي قطاع غزة، مع احتفاظها بالسيطرة على 53% من المساحة حتى استكمال عملية الإفراج عن الأسرى.
كما ينصّ الاتفاق على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة فور سريان الهدنة بإشراف الأمم المتحدة ومصر وقطر.
الإفراج المتبادل
في المقابل، ستفرج إسرائيل عن 1,950 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 250 محكومون بالمؤبد و1,700 معتقل منذ السابع من أكتوبر، بينهم نساء وقاصرون.
لكنّ إسرائيل رفضت الإفراج عن قادة بارزين من حماس، أبرزهم:
مروان البرغوثي
أحمد سعدات
حسن سلامة
عباس السيد
كما استُبعد مقاتلو 'النخبة” الذين شاركوا في عملية السابع من أكتوبر من أيّ صفقة مقبلة.
الموقف الإسرائيلي
الدوائر السياسية في تل أبيب رأت أن من أبرز مكاسب الصفقة الضغط العربي والدولي على حماس، ما قد يمهّد لإعادة هيكلة الحكم في غزة بمشاركة محدودة من السلطة الفلسطينية.
في المقابل، وصف موقع 'نتسيف” الإسرائيلي الاتفاق بأنه فشل استراتيجي كبير، لأن حماس 'ستبقى القوة الحاكمة والمسلّحة في غزة”، محذرًا من أن أموال الإعمار 'ستعزز نفوذ الحركة بدل إضعافها”.
خطاب ترامب المرتقب: بين استعراض الإنجاز وابتزاز الحلفاء
واشنطن – من المكتب البيضاوي
من المقرّر أن يُلقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الليلة خطابًا يصفه البيت الأبيض بـ'الخطاب التاريخي”، بعد توقيع المرحلة الأولى من صفقة شرم الشيخ.
الخطاب سيجمع بين نبرة المنتصر الدبلوماسي وأسلوب المرشح الانتخابي الذي يحوّل أي تفاهم سياسي إلى إنجاز شخصي.
1. صناعة السلام على الطريقة الترامبية
سيبدأ ترامب حديثه قائلاً:
> 'لقد فعلنا ما لم يفعله أحد من قبل.”
وسيعرض الاتفاق كـ اختراقٍ للشرق الأوسط، مشيدًا بمصر وقطر وتركيا كوسطاء، مع تأكيد أن الفريق الأمريكي 'كتب النص الأخير”.
الرسالة الأولى ستكون أن أميركا عادت لتقود اللعبة بعد سنوات من الفوضى.
2. الرهائن والانسحاب
سيؤكد أن المرحلة الأولى تتضمن إطلاق 20 رهينة إسرائيلية خلال 72 ساعة، مع انسحاب تدريجي من بعض مناطق غزة 'لأسباب إنسانية لا عسكرية”.
> 'إسرائيل ستبقى قوية، وسنضمن أمنها، لكن القوة الحقيقية اليوم في التفاهم لا في الدمار.”
3. المساعدات المشروطة
سيعلن فتح المعابر ودخول الإغاثة، لكن ضمن ما يسميه 'المساعدات المشروطة بالاستقرار”، أي أنّ واشنطن لن تموّل إعادة الإعمار في حال عادت حماس للتسلّح.
بهذه العبارة، يربط ترامب الإعمار بالموقف السياسي، فيتحول 'الإنساني” إلى أداة ابتزازٍ سياسي واقتصادي.
4. رسالة مزدوجة إلى نتنياهو وحماس
سيمتدح نتنياهو باعتباره 'قائدًا شجاعًا يعرف متى يفاوض”، لكنه سيضيف تحذيرًا مبطنًا من أي خرقٍ محتمل:
> 'من يضيّع هذه الفرصة سيواجه عزلة كاملة.”
وفي المقابل، سيحذّر حماس من 'اللعب بالنار”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة 'لن تتسامح مع الخداع”.
???? 5. السلام للداخل الأمريكي
سيختم ترامب بقوله:
> 'وعدتُ أنني سأصنع السلام بدل الحروب… واليوم أوفي بوعدي.”
لينتقل بعدها إلى استعراضٍ بصري عبر مقاطع مصوّرة من شرم الشيخ والرهائن المحرّرين، موسومة بعنوان 'أميركا تصنع التاريخ من جديد”.
ما وراء الصفقة: خريطة المكافآت والعقوبات القادمة
وراء الأبواب المغلقة، لا تبدو صفقة شرم الشيخ مجرد اتفاق إنسانيّ، بل إعادة توزيعٍ للأدوار الإقليمية يرسمها ترامب بدقّة رجل الأعمال لا بحكمة رجل الدولة.
المصادر الدبلوماسية المتقاطعة في واشنطن وتل أبيب تشير إلى أن الإدارة الأميركية تُحضّر لحزمة 'مكافآت وتحجيمات” تتبع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، تحمل رسائل متناقضة ولكن مدروسة:
1. تركيا وقطر ستُكافآن علنًا على 'مرونتهما” خلال المفاوضات، سواء عبر ملفات اقتصادية أو أمنية، باعتبارهما الدولتين اللتين أبقتا خيوط التواصل مفتوحة مع حماس والولايات المتحدة في آن واحد.
فأنقرة ستحصل على نافذة تفاوض جديدة في ملف اللاجئين وإعادة الإعمار، بينما ستُمنح الدوحة دورًا أوسع في التمويل الإنساني والإشراف على المساعدات، في مشهدٍ يكرّسها كعاصمة القرار غير المعلَن في الأزمة.
2. في المقابل، سيجري تحجيم الدور المصري في غزة إلى حدّه الأدنى.
فبعد أن كانت القاهرة تمسك بالمفتاح الأمني والسياسي للقطاع، تسعى واشنطن اليوم إلى تقليص نفوذها تدريجيًا عبر لجان مراقبة دولية جديدة، تمنع مصر من الانفراد بملف التهدئة أو المعابر.
وهكذا تُكافأ تركيا وقطر بالدور، وتُعاقَب مصر بالتهميش.
3. لن يزور ترامب القاهرة.
فبينما كانت التوقعات تشير إلى محطة مصرية ضمن جولته المقبلة، تؤكد مصادر البيت الأبيض أن الزيارة أُلغيت من جدول رحلاته.
السبب المعلن: 'ضيق الوقت”.
والسبب الحقيقي: رسالة سياسية لمَن ظنّ أن مفاتيح الحل تمرّ من بوابة النيل.
4. في المقابل، سيزور ترامب الكيان الإسرائيلي ويخطب في الكنيست، في خطوةٍ رمزية تهدف إلى تكريس صورته كأقرب حليفٍ لإسرائيل في التاريخ الحديث.
ومن المتوقع أن يصف اتفاق شرم الشيخ بأنه 'بركة من الربّ لشعبٍ اختاره الله”، كما قالها في حملاته الانتخابية الأولى.
5. والأهم من كل ذلك: أن إسرائيل ستبقي قطاع غزة سجنًا مغلقًا كما كان.
فالاتفاق لم يتحدث صراحةً عن فتحٍ دائمٍ للمعابر مع مصر، بل أعاد التأكيد على أن غزة ستبقى تحت الرقابة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، مع حركة محدودة للبضائع والأفراد عبر 'ممرّات مراقبة” لا تشكّل سيادة ولا حرية.
بمعنى آخر: هدنة على الورق، وحصارٌ أكثر ذكاءً على الأرض.
بين نفاق شرم الشيخ وواقعيّتها القاسية
ما جرى في شرم الشيخ لم يكن مجرد مؤتمرٍ للسلام، بل مشهدًا مزدوج الملامح:
ابتسامات أمام الكاميرات، وخرائط دم خلف الستار.
في المدينة التي وُلدت لتجميل القبح السياسي، اجتمع المتفاوضون ليكتبوا هدنةً بمداد المصالح، لا بمداد الضمير.
كان الشرط الإنساني في الاتفاق قناعًا لمقايضةٍ باردة: رهائن مقابل أسرى، وتهدئة مقابل تمديدٍ لحربٍ مؤجلة.
ومع ذلك، فإن شرم الشيخ – رغم كل ما قيل عنها – قدّمت واقعية قاسية لا يمكن إنكارها؛ فهي المكان الذي تحوّل فيه الدم إلى أرقام، والوجع إلى مادةٍ تفاوضية.
أما 'النفاق” فكان في المشهد الموازي:
تصريحات عن العدالة بينما المجازر مستمرة،
حديث عن الأمل والمعابر مغلقة،
ودموع أمام الكاميرات لا تشبه شيئًا من وجع الأمهات في غزة.
وهكذا خرج العالم من شرم الشيخ وهو يصفّق لاتفاقٍ لا يشبه السلام، بل استراحة المقاتلين قبل الجولة التالية.
أما غزة، فما زالت هناك…
تعدّ شهداءها، وتخزّن صبرها، وتدرك أن ما كُتب في شرم الشيخ ليس نهاية الحرب، بل بداية فصلٍ جديدٍ من الصراع المغلّف بلبوس السلام.