اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
قمةٌ سؤالها الأبرَز: مَن صغر ومَن كبر..؟!
أزهر الطوالبة
بانعقاد قمة شرم الشيخ، يطفو على سطح النقاش سؤالٌ لافت: هل صغرت الولايات المتحدة لتصبح بحجم حماس، أم أنّ حماس كبرت لتصبح بحجم الولايات المتحدة؟
قد يبدو السؤال للوهلة الأولى مجازيًّا، لكنّه في الواقع يعكس تحوّلًا جوهريًّا في طبيعة الصراع وموازين القوة، ويكشف حجم المُتغيّرات التي فرضها 'طوفان الأقصى' وما تلاه من تداعياتٍ إقليمية ودولية.
لم يعد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي اليوم شأنًا محليًّا أو إقليميًّا محدودًا. فكلّ تحرّكٍ سياسيٍّ أو ميداني تقوم به حماس، يُقابله استنفار دبلوماسي أميركي واسع، يمتدّ من واشنطن إلى العواصم الأوروبية والعربية. هذه الحقيقة وحدها تُظهر أنَّ الحركة، رغم الحصار المفروض عليها، أصبحت عاملًا مركزيًّا في المُعادلة الدولية، وأنّ الولايات المتحدة باتت مضطرّة لإدراجها في حساباتها السياسية والأمنية، سواء اعتَرَفت بذلك علنًا أم لا.
حماس لم تكبر في ميزان السلاح أو الموارد، بل في ميزان التأثير. لقد نجحت في إعادة توجيه بوصلة الاهتمام العالمي نحو القضيّة الفلسطينية، بعد سنواتٍ من محاولات التهميش والتطبيع. فالمبادرات، والقمم، واللقاءات الطارئة التي تعقدها واشنطن اليوم، ليست دفاعًا عن إسرائيل بقدر ما هي محاولة لتدارك اهتزاز موقعها الإقليمي بعد أن أعادت المقاومة خلط الأوراق.
لقد تحوّل ميزان الفعل. فبدل أن تكون واشنطن من يُحدّد إيقاع الأحداث في المنطقة، أصبحت تتفاعل مع الأحداث التي تُفجّرها المقاومة، وتتحرّك ضمن هامشٍ ضيّق من الخيارات.
التحوّل الأهم الذي فرضته حماس هو أنّها نقلت الصراع من كونه مواجهة عسكرية إلى كونه اختبارًا أخلاقيًّا وسياسيًّا للعالم بأسره. فهي تواجه قوةً عظمى تملك أدوات السيطرة الإعلامية والسياسية والاقتصادية، لكنها تُجبرها على الانخراط في حواراتٍ ومفاوضاتٍ متكرّرة، وعلى إعادة تعريف مفهوم 'الأمن' و'الردع' و'الاستقرار' في الشرق الأوسط.
هذا وحده كافٍ ليُقال إنّ حماس كبرت بحجم التأثير، لا بحجم الجغرافيا.
أمّا الولايات المتحدة، فهي لم تصغر من حيث القدرة، لكنها فقدت جزءًا من الهيبة الرمزية التي لطالما ميّزت حضورها. حيثُ لم تعُد قادرة على فرض إملاءاتها المطلقة، بل باتت بحاجةٍ إلى توافقاتٍ وتفاهماتٍ مع قوى إقليمية، بعضها يدور في فلك المقاومة، وبعضها يتعامل معها كأمرٍ واقعٍ لا يمكن تجاوزه. هذه الحالة تعني ببساطة أنّ القوة لم تَعُد مركزيّة، وأنّ النفوذ لم يَعُد يُقاس بالجبروت العسكري بل بالقدرة على تحريك الوقائع.
في المشهد الراهن، يتضح أنّ واشنطن باتت أسيرة حساباتها الداخلية والخارجية. فهي لا تستطيع التخلّي عن دعم إسرائيل، لكنها أيضًا لا تستطيع تحمّل تبعات الاستنزاف المستمرّ في المنطقة. وفي المقابل، حماس ـ رغم الحصار ـ تمكّنت من بناء رواية سياسية وميدانية صلبة جعلت منها طرفًا لا يمكن تجاوزه في أيّ تسوية مستقبلية.
من هنا، فإنّ السؤال 'من كبر ومن صغر' يُصبح سؤالًا رمزيًّا أكثر من كونه واقعيًّا. حماس كبرت لأنّها فرضت نفسها كحقيقةٍ سياسيةٍ في معادلةٍ حاولت أميركا طَمسها لعقود. كبرت لأنها أجبرت القوة الأعظم في العالم على أن تُصغي، وأن تتحرّك، وأن تُفاوض في توقيتٍ لا تُحدّده هي. كبرت لأنّها جعلت من المقاومة، بكلّ تواضع إمكاناتها، محورًا في النقاش الدولي.
في المقابل، أميركا لم تصغر فعليًّا، لكنها تراجعت من موقع الهيمنة إلى موقع التفاعل. وهذا التراجع بحدّ ذاته، في منطق السياسة، يُعدّ مؤشرًا على تغيّر البنية الدولية، وعلى أنّ النظام الأحاديّ القطبية الذي صاغته واشنطن عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، بات يتصدّع من أطرافه، على يد حركاتٍ صغيرة تحمل قضايا عادلة وتملك إرادةً صلبة.
إنّ قمة شرم الشيخ لا تعبّر فقط عن رغبةٍ في وقف التصعيد أو إدارة الأزمة، بل هي أيضًا اعتراف ضمنيّ بأنّ حركة حماس أصبحت فاعلاً دوليًّا بحجم الفكرة، وأنّ تجاهلها لم يَعُد ممكنًا. ومن هذه الزاوية تحديدًا، يمكن القول إنّ حماس لم تكبر فقط بحجم أميركا، بل بحجم العالم الذي اضطرب أمام ثباتها.