اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
الأردن... تعليم يصنع المستقبل برؤية رقمية وإنسانية
د. طلال أبوغزاله
سعيد أن وطني الأردن يختار أن يكون فاعلًا لا متفرجًا، وبانيًا للمستقبل لا متلقيًا له، ففي الخطة الاستراتيجية للتحول الرقمي في وزارة التربية والتعليم بنسختها المحدثة تتجلى رؤية وطنية ناضجة من قبل الحكومة الحالية تُدرك أن التعليم لم يعد مجرد غرفة صفية وكراسٍ وامتحان، بل منظومة معرفة متحركة تُدار بالعقل والبيانات والتقنية؛ هذا هو توجه الحكومة الجديد، الذي يؤكد التزامها بتحقيق تحول شامل في القطاع التعليمي يواكب المتغيرات العالمية ويؤسس لمستقبل يضمن للطلاب تكاملًا بين المعرفة والمهارات التقنية.
وبين سطور الخطة تتجلى روح وطنية صادقة تنبع من رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، في تمكين الإنسان الأردني وتوسيع آفاقه في التعلم والعمل والابتكار، وترسيخ ثقافة التحول الرقمي كوسيلة للتنمية لا غاية بذاتها. إن التحول الرقمي في التعليم ليس مجرد تحديث إداري أو تقني، بل إعلان عن مرحلة جديدة من الوعي الوطني، مرحلةٍ يؤمن فيها الأردن بأن المدرسة حياة، وأن الطالب يمكن أن يكون شريكًا في صناعة المستقبل
إنها رؤية تستشرف المستقبل، وتضع الأردن في قلب التحولات العالمية، وتؤمن بأن التنافس لم يعد في الموارد المادية، بل في القدرة على إنتاج المعرفة واستثمار الذكاء الإنساني والتقني في آنٍ واحد.
وبالفعل هي قفزة واثقة نحو بناء مدرسة أردنية حديثة تؤمن بأن الإبداع هو رأس المال الجديد، وأن التكنولوجيا ضرورة وطنية، فالخطة لا تكتفي بتحديث الأدوات، بل تُعيد تعريف التعليم نفسه، إذ تمضي الوزارة نحو بناء بيئة تعليمية رقمية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية الرقمية في المدارس والمديريات، وتوفير الخدمات التعليمية والإدارية الذكية، وتعزيز الاتصال والوصول إلى المعلومات لكل فئات المجتمع التعليمي، وضمان الأمن السيبراني لحماية البيانات والأنظمة، وتوظيف إدارة المعلومات التربوية في دعم القرار، إلى جانب تطوير نظام إدارة التعلم والمحتوى الإلكتروني، وتبنّي المبادرات والابتكارات التعليمية، وتنفيذ الاختبارات الرقمية التي تواكب الممارسات العالمية.
الحمد لله أن آلاف المدارس اليوم متصلة بشبكات الإنترنت السريع، وأن مئات الصفوف تكتسي بالألواح الذكية، والمعلم الأردني بدأ يتدرّب عبر منصات رقمية متطورة تُمكّنه من مواكبة أدوات العصر.
ستصبح المدرسة أكثر مرونة واتساقًا مع روح الزمن، وسصبح التعليم متاحًا للجميع في أي وقت ومن أي مكان. ومع ذلك، فإن ما يميز هذه الاستراتيجية أنها لا تنظر إلى التحول الرقمي بوصفه شأنًا تقنيًا فحسب، بل مشروعًا إنسانيًا وأخلاقيًا في جوهره، ينطلق من قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والشفافية والاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، وهي قيم تُعلي من شأن الإنسان وتمنحه موقع القيادة لا التبعية.
كم جميل أن تضع هذه الخطة الإنسان المعلم والطالب معًا في مركز العملية التعليمية، في إيمان عميق بأن التكنولوجيا ليست بديلاً عن الإنسان، بل شريكًا له في الإبداع والتطوير، فالمعلم لن يكون ناقل معرفة فقط، بل قائدًا وموجّهًا ومبتكرًا، والطالب لن يكون متلقنًا جامدًا، بل باحثًا وفاعلاً في بناء ذاته ومجتمعه، مشاركًا في إنتاج المعرفة لا مجرد مستهلك لها.
هذه الرؤية المتقدمة تعكس إيمان الأردن العميق بأن التعليم هو بوابة النهضة، وأن بناء الإنسان هو جوهر التنمية الحقيقية وعليه فإن ما تقوم به وزارة التربية والتعليم اليوم يضع بلدنا في موقع الريادة، ويقدّم نموذجًا وطنيًا لتعليم حديث متجدد يؤمن بأن المستقبل يبدأ من الفكرة، ومن الفصل الدراسي، ومن الإنسان الذي يتعلم ليبدع، ويبدع ليبني وطنه بوعي واقتدار.