لايف ستايل
موقع كل يوم -فوشيا
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
تركت الممثلة الأردنية أمل الدباس بصمتها العميقة ليس فقط بموهبتها، بل بثقافتها، حضورها، وصدقها الفني، واستطاعت عبر عقود من العطاء أن تحجز لنفسها مكانة خاصة في قلوب الجمهور، سواء من خلال أدوارها الكوميدية أو الدرامية، أو حتى مشاركاتها المسرحية والإذاعية.
في حوار الأسبوع مع موقع 'فوشيا'، تفتح الفنانة أمل الدباس صفحات من مسيرتها الحافلة، وتتجول بين تجربتها الشخصية ورؤيتها العامة، لنستكشف آراءها حول تحوّلات الساحة الفنية، ومكانة الدراما الأردنية في المشهد العربي.
أمل الدباس لـ'فوشيا': أمل عرفة فنانة مهمة ومتميزة
نبدأ من دورك في مسلسل 'يا أنا يا هي 2'، ما الجديد الذي تقدمه شخصية 'سوزان'؟
'سوزان'، شخصية إنسانية طبيعية، مرت بتجارب وتحديات كثيرة في حياتها، الأمر الذي دفعها إلى بناء سياج نفسي لحماية ذاتها من الصدمات المتكررة. ورغم محاولاتها المستمرة في العمل، إلا أن طريقها لم يخلُ من العقبات والمطبات. في الجزء الثاني من مسلسل 'يا أنا يا هي'، تتضاعف التحديات أمام 'سوزان'، لا سيما بعد وفاة والدها، إذ تجد نفسها أمام شروط صعبة للمطالبة بحقها في الإرث الذي يمثل طوق النجاة الوحيد لها في مواجهة أزمة مالية خانقة. هذه الظروف دفعتها لاتخاذ قرارات غير متزنة أحياناً، وكأن هذا السياج الذي أحاطت به نفسها بدأ يتصدع. تحاول 'سوزان' استعادة الأمان المفقود والعودة إلى نقطة الاتزان في حياتها.
كيف تصفين شراكتك مع أمل عرفة في هذا العمل؟
أمل عرفة فنانة مهمة ومتميزة، كما أنها إنسانة رائعة وعظيمة. في الحقيقة، أحببتها قبل أن نلتقي، وزاد هذا الإعجاب بعد أن اجتمعنا وعملنا معًا. آمل أن تنال هذه الثنائية استحسان الجمهور، 'أمل وأمل'، فهي ممثلة رائعة، وجميلة داخلياً وخارجياً.
بما أن المسلسل من إنتاج أردني، ما سبب اختيار دمشق موقعاً للتصوير؟
يبدو أن السبب يعود إلى أن شركة أمل عرفة هي الجهة المنفذة للإنتاج، كما أن الأجواء في سوريا ملائمة، وفيها عدد كبير من الفنانين. لا أستطيع التحدث باسم قناة 'رؤيا'، ولكنني أعتقد أن وجود غالبية الممثلين السوريين في سوريا سهّل عملية التنسيق والتصوير هناك، خصوصاً أنني كنت الفنانة الأردنية الوحيدة في العمل. لذا، كان من الأسهل تنظيم التصوير واستضافة الفنانين السوريين هناك بدلاً من الانتقال إلى الأردن.
ما الانطباع الذي خرجتِ به من تجربتك الأولى في التصوير في سوريا؟
كانت تجربة مميزة جداً، وقد سُعدت بها كثيراً. أكثر ما لفتني هو مستوى الاحتراف العالي الذي لمسته من فريق العمل بأكمله، من الفنيين إلى إدارة الإنتاج والممثلين. الجميع كان يتعامل مع العمل بجدية ومهنية، وهذا منحني شعوراً بالراحة، وشعوراً بأنني أعمل في بيئة صحية تدفع نحو الإبداع والنجاح.
هل ترغبين في الاستمرار بالظهور في الدراما السورية؟
هذا العمل كان له طابع خاص، كونه إنتاجاً أردنياً بتنفيذ سوري، وهذه الشراكة جميلة جداً. أما بخصوص الدراما السورية بشكل عام، فلم يُعرض عليّ سابقاً عمل سوري يُصور داخل سوريا. بل شاركتُ في عمل سوري تم تصويره في الأردن مع الفنان أندريه سكاف وعدد من الفنانين السوريين والأردنيين، وكانت تجربة جميلة. ولكن للأسف لم أحظَ حتى الآن بفرصة للعمل في سوريا ضمن إنتاج سوري بالكامل. آمل أن يكون القادم أجمل.
أمل الدباس لـ'فوشيا': لم أواجه أي عائق بسبب كوني امرأة
ما الذي ينقص الدراما الأردنية لتكون في صدارة الدراما العربية؟
لا أعتقد أن هناك شيئاً اسمه 'صدارة' للدراما بحسب الجنسية. بل ما يحدد الصدارة جودة العمل والقضية التي يطرحها، وليس الدولة المنتجة. أحياناً نجد عملاً لبنانياً أو خليجياً يحقق انتشاراً واسعاً لأنه يلامس قضية تهم الناس. إذًا، ليست الجنسية هي المعيار، بل الفكرة والطرح والتنفيذ.
ما الفروق بين الدراما السورية والأردنية؟
ربما يكمن الفرق في عدد الفنانين المتوفرين في سوريا، ما يتيح خيارات أكثر في التنوع والمحتوى. كما أن الدراما السورية تناولت قضايا خاصة نابعة من واقع الحرب، وهذا خلق نوعاً جديداً من الأعمال الدرامية التي تلامس واقعاً فريداً، واستطاعت جذب الجمهور. في الأردن، لدينا فنانون مهمون، والدراما الأردنية كانت حاضرة بقوة، لكن ظروفاً سياسية، كحرب الخليج، أسهمت في تغييب الفنان الأردني عن الساحة العربية، وليس لأسباب فنية. هذا الإقصاء أثّر على حضورنا العربي، لكننا نملك طاقات كبيرة وبصمة واضحة.
هل ترين أن الدراما الأردنية أنصفت المرأة وأعطتها حقها؟
بالتأكيد لا. المرأة الأردنية حاضرة بقوة في كل مجالات الحياة، من الوزارات إلى البرلمان إلى مختلف الميادين المهنية، وهي فاعلة ومؤثرة. ومع ذلك، لم تُعطَ المساحة الكافية في الدراما الأردنية لتعكس هذا الحضور الواقعي. في بعض الدول، كالسعودية أو مصر أو سوريا، أسهم حجم الإنتاج في تناول قضايا نسائية متعددة. نحن بحاجة إلى أعمال توازي هذا الحضور الحقيقي للمرأة الأردنية في المجتمع.
هل واجهتِ عوائق في الوسط الفني كونك امرأة؟
أبداً، لم أواجه أي عائق بسبب كوني امرأة. كان التحدي دائماً هو تقديم الفن بصورته الحقيقية والراقية. نحن نؤمن بأن الفن رسالة سامية، حتى عندما يتناول مواضيع جريئة أو 'تابوهات'، يجب أن تُقدَّم بطريقة لا تسيء للمجتمع أو تخدش الحياء العام. لأن الشاشة تدخل البيوت من دون استئذان، فمن واجبنا أن نحترم هذه الخصوصية. وأنا أؤمن أن احترامنا للفن وللمشاهد هو ما جعل الجمهور يدعمنا ويمنحنا الثقة لنكمل.
ما سبب غياب الفنانين الأردنيين عن الدراما المشتركة والمعرّبة؟
أعتقد أن المسألة تتعلق بسياسة العرض والطلب، وبقرارات المنتجين. ربما هناك اعتبارات مادية، أو رغبة في تقليل التكاليف من حيث السفر والإقامة عند استقدام فنان من خارج البلد. المنتج في النهاية هو صاحب رأس المال، وهو من يحدد قواعد اللعبة. لذلك، غياب الفنان الأردني لا يعود إلى نقص في الكفاءة، بل إلى قرارات إنتاجية بحتة.
دخولكِ عالم الفن في سن مبكرة، هل كان لذلك تأثير على مسيرتكِ الفنية؟
بلا شك. التجربة تصقل الموهبة كما تفعل الدراسة، بل إن التراكم المعرفي الناتج عن التجربة يخلق لدى الفنان رؤية أعمق وقدرة على الانتقاء والتمييز. بدأت مشواري الفني في سن الثانية عشرة من خلال 'كورال أطفال الإذاعة الأردنية'، حيث كنا نقدم أغاني وطنية. وفي الوقت نفسه شاركت في عدد من المسلسلات الإذاعية عندما كانت هناك حاجة لأصوات الأطفال. انتقلت لاحقاً إلى التلفزيون، وكانت أول تجربة تلفزيونية لي في سن الخامسة عشرة. كل هذه المراحل أسهمت في بناء رصيد فني ومعرفي دعم استمراريتي في المجال الفني.
ماذا عن موقف الأهل؟ وما أبرز الصعوبات التي واجهتكِ في البداية؟
عائلتي كانوا الداعمين الأكبر لي، وخاصة والديّ -رحمهما الله-. حتى في مرحلة الطفولة لم تواجهني اعتراضات تُذكر. لكن عندما كبرت واخترت الفن كمهنة وحياة، بدأت تظهر بعض التحفظات من العائلة الكبيرة، خاصة لأننا من عائلة معروفة ولها مكانتها في الأردن. ومع مرور الوقت وازدياد وعيهم برسالة الفن، أصبحوا فخورين بما أقدمه، وصاروا يعرّفون بي بكل اعتزاز. الفنان يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعه وقضاياه، ويجب أن يقدم فناً محترماً وملتزماً يعالج قضايا المجتمع ويحمل رسالة سامية، وهذا ما آمنت به وسعيت إليه.
أمل الدباس لـ'فوشيا': الفن يجب أن يكون وسيلة لبناء الإنسان لا لهدمه
لكِ حضور مميز في دبلجة الشخصيات الكرتونية. كيف ترين تأثير ذلك على الأطفال؟
الدبلجة كانت جزءاً أساسياً من مسيرتي الفنية في الثمانينيات. كنت أؤمن تماماً بأنها وسيلة تربوية مؤثرة، لأن الطفل هو أساس أي مجتمع، وهو المستقبل. كنا نحرص على تقديم مضامين تحمل قيماً إنسانية وأخلاقية مثل الاحترام، التعاطف، ومساعدة الآخرين. لكن في الفترات اللاحقة، تغيرت طبيعة الرسائل المقدمة في الرسوم المتحركة، وأصبحت مليئة بالصراخ والعنف والمبالغات، وهذا يتنافى مع ما كنت أؤمن به. لذلك، قررتُ التوقف عن المشاركة في دبلجة هذا النوع من الأعمال، لأنني لا أرى فيها رسالة إيجابية. الفن يجب أن يكون وسيلة لبناء الإنسان، لا لهدمه.
لديكِ أكثر من 30 عملاً إذاعياً. ما الذي يميز الإذاعة عن التلفزيون والمسرح؟
الإذاعة، برأيي، هي أصعب أنواع الفنون التمثيلية. ففي الإذاعة لا تملك سوى صوتك لتعبّر عن المشاعر، على عكس التلفزيون والمسرح حيث تمتلك لغة الجسد وتعابير الوجه. الممثل الإذاعي يحتاج إلى قدرة عالية على توظيف صوته لنقل الانفعالات، وجعل المستمع يرى بعينيه ما يسمعه بأذنه. ولهذا، فهي تتطلب موهبة نادرة وتركيزاً شديداً.
حدثينا عن تجربتك المسرحية مع الثنائي هشام يانس ونبيل صوالحة؟
تجربتي مع هشام ونبيل من أروع المحطات في مسيرتي، وقد جسّدت بعمق إيماني بأن 'الفن رسالة'. كانت تلك الفترة بمثابة العصر الذهبي بالنسبة لي، حيث استخدمنا المسرح كمنصة لطرح قضايا الإنسان والمجتمع والسياسة في إطار كوميدي ناقد وذكي. الناس كانوا يقولون لنا: 'أنتم تقولون ما نشعر به تماماً'. وهذه أعظم شهادة يمكن أن يحصل عليها فنان. المسرح السياسي الكوميدي أعطانا مساحة لنسمي الأشياء بأسمائها وننتقد الواقع بجرأة ومحبة. الفنان الحقيقي، برأيي، يشعر بنبض مجتمعه قبل غيره، ولهذا هو صوت الناس وصورتهم.
عام 2010، تم اختياركِ سفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي. ماذا يعني لكِ هذا الدور؟
الفنان لا ينفصل عن الإنسان. بل أرى أن الفنان يجب أن يكون الأكثر حساسية تجاه معاناة الآخرين. واختياري سفيرة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة كان شرفاً ومسؤولية، وأعتبره وساماً على صدري. بدأ النشاط من داخل الأردن، حيث ركزنا على دعم المناطق الأقل حظاً، ومكافحة الفقر والجوع، وخاصة بين الأطفال. أهم البرامج التي أفتخر بها هو 'برنامج التغذية المدرسية'، الذي يعنى بتوفير وجبات غذائية للأطفال من سن 6 إلى 12 عاماً، لأن التغذية السليمة تبني عقلاً سليماً. كما زرت عدة مخيمات للاجئين السوريين، ومنها مخيم الزعتري، وكنتُ شاهدة على عزيمتهم وإصرارهم على الحياة رغم الظروف الصعبة. هذا ما أعاد لي الإيمان بأن الإنسان قادر على النهوض دائماً، مثل طائر الفينيق.
كيف توازنين بين التزاماتك الفنية والإنسانية؟
أحياناً قد يتعارض جدول التصوير مع بعض أنشطة برنامج الأغذية العالمي، لكن هناك مرونة وتفهما. فهم يدركون أن التزامي كسفيرة للنوايا الحسنة هو جهد تطوعي نابع من قناعتي، وليس وظيفة رسمية. وبالتالي، إذا تعذّر حضوري لأي نشاط بسبب ظروف التصوير، يتم التنسيق دون إشكال. العمل الخيري لا يتطلب التواجد الجسدي الدائم بقدر ما يتطلب الشغف والرغبة الصادقة في المساعدة والتأثير الإيجابي.
واجهتِ عام 2011 عارضاً صحياً خطيراً. كيف أثر ذلك في حياتك؟ وهل تجاوزتِه نفسياً؟
أعتبر هذا العارض الصحي – إصابتي بالسرطان – امتحاناً من الله واختباراً لقوة الإنسان الداخلية. واجهته بشجاعة وإيمان، وكنت أشعر أن الله ألقى في قلبي السكينة والطمأنينة لحظة التشخيص. بدأتُ العلاج وأنا مؤمنة بأن ما زال هناك ما يستحق أن أعيش من أجله. نعم، مررت بانتكاسات، خاصةً مع فقدان الشعر أثناء الكيماوي، لكنني لم أستسلم. تلقيتُ الدعم، وكنت ألجأ دائماً للصلاة والصبر، وأقول: 'ما زالت لدي مهام على هذه الأرض'. تحوّلت هذه التجربة إلى رسالة أحملها للنساء، حيث أتلقى الكثير من الاتصالات من سيدات يواجهن نفس المرض. أقدم لهن النصائح والدعم النفسي، وأعتبر ذلك من صميم مسؤوليتي الإنسانية. وأحلم بتجسيد هذه التجربة في عمل فني واقعي – فيلم أو مسلسل – يعكس الألم والانتصار، ويُظهر كيف يمكن للإنسان أن يكون ناجياً ومحبًا للحياة.