اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
متخصصون يؤكدون أن الكاميرات المنتشرة على الطرق تستخدم فقط في رصد المخالفات والرادارات لتحصيل الغرامات ومطالب باعتماد قانون المرور الذي نوقش في مجلس النواب عام 2019
لم تكن حادثة الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية (شمال مصر)، التي أسفرت عن مقتل 18 فتاة من العاملات باليومية المعروفات إعلامياً بـ'فتيات العنب'، نتيجة القيادة المتهورة لسائق شاحنة يقود برخصة منتهية وثبت تعاطيه المخدرات لاحقاً، سوى حلقة جديدة ضمن سلسلة متكررة من الحوادث الخطرة على الطرق السريعة في مصر.
وعلى أثر الواقعة تتابعت ردود الفعل في مصر وتفاعل النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تباروا في نشر مقاطع فيديو جديدة توثق ممارسات خطرة على الطرق تضمنت سباقات تسارع بين شاحنات النقل عن بعض الطرق، إضافة إلى مركبات محملة بحمول زائدة تحمل حجارة تسقط على الطرق، والسير في الاتجاه المعاكس.
تتعدد الأسباب، وفق متخصصين ومراقبين في هندسة الطرق والمرور، وراء تكرار الحوادث في مصر، وتشمل عوامل فنية وإدارية من بينها نقص الرقابة، وعدم التزام القوانين، وسلوكيات سائقي النقل.
أخطاء فنية وإدارية
وبينما تتزايد حال السخط نتيجة الفوضى المرورية يعزو أستاذ هندسة الطرق بكلية الهندسة في جامعة عين شمس، أسامة عقيل، تكرار الحوادث المروعة في مصر إلى أسباب 'فنية وإدارية'، مفسراً خطورة الحوادث وارتفاع عدد الضحايا على الطرق السريعة في مصر بعوامل عدة، أبرزها 'السرعات الزائدة، وسير سيارات النقل الثقيل في المسارات نفسها المخصصة للمركبات الأخرى'، مشيراً إلى أن هذا العامل وحده مسؤول عن نحو 50 في المئة من الحوادث، مما يستدعي تخصيص طرق مستقلة للشاحنات، كما هو مطبق في بعض الطرق الجديدة. مؤكداً أن تطوير شبكة الطرق 'لا يكفي وحده، بل يجب أن يترافق مع رقابة صارمة وإجراءات فعّالة للحد من الحوادث'.
ولفت عقيل، في حديثه إلى 'اندبندنت عربية'، إلى أن نمو عدد السكان، واتساع شبكة الطرق، وارتفاع عدد السيارات، إلى جانب رفع كفاءة الطمن دون التزام السرعات المحددة، كلها عوامل أدّت إلى ارتفاع معدلات الحوادث في مصر. وتساءل عن أسباب غياب الإجراءات الرادعة على الطريق الإقليمي الذي شهد حادثة أدت إلى وفاة 18 فتاة في محافظة المنوفية (شمال مصر)، على رغم استمرار السير عكس الاتجاه عليه منذ أشهر، على حد وصفه. مشيراً إلى أن غياب منظومة إدارة واضحة للطرق يؤدي إلى حال من الفوضى.
الكاميرات التي تنتشر على الطرق، وفق عقيل، لا تسهم في منع الحوادث، بل تستخدم فقط في التوثيق، ورصد المخالفات، وجمع بيانات مثل أعداد المركبات، وتسجيل الحوادث. أما الرادارات، فهي أداة لتحصيل الغرامات، ولا تُعد وسيلة فعّالة للحماية. وختم بالقول إن إدارة الطرق في الدول المتقدمة 'تُدار بأساليب مختلفة تماماً عن تلك المعمول بها في مصر'.
وبحسب تقرير حديث صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مايو (أيار) 2025، بلغ عدد إصابات حوادث الطرق في مصر خلال عام 2024 نحو 76362 إصابة، مقارنة بـ71016 إصابة في عام 2023 بنسبة زيادة 7.5 في المئة. وسجلت الدقهلية أعلى عدد من الإصابات بواقع 15563 إصابة، بينما كانت السويس الأقل بـ39 إصابة فقط.
غياب الرقابة
يتفق أستاذ هندسة الطرق والمرور بجامعة القاهرة،ومجدي صلاح الدين، مع الرأي السابق، ويشدد على ضرورة تفعيل الوسائل الحديثة في الرقابة على حركة المرور. لافتاً إلى أنه على رغم إنفاق تريليونات على إنشاء الطرق، فإن المنظومة لا تقتصر على الإنشاء فقط، بل تشمل أيضاً ما بعده، بما في ذلك الرقابة على حركة المرور، وتصحيح الأخطاء، وصيانة الطرق بصورة دورية.
وبحسب متخصص الطرق الذي يمتلك خبرة تتجاوز خمسة عقود في هذا المجال، فإن مصر تعاني نقصاً شديداً في تنفيذ القانون باستخدام وسائل رقابة متنقلة بدلاً من الثابتة، إذ يظل الاعتماد مقتصراً على الكمائن الثابتة الذي قد يكون مناسباً للأغراض الأمنية، لكنه لا يُعد وسيلة فعّالة لضبط الحركة المرورية ومنع الحوادث.
وأضاف صلاح الدين أن الدراجات النارية كانت تستخدم في الماضي لمتابعة الطرق، ثم تطور الأمر إلى استخدام الكاميرات، لكن تبين أن الهدف الأساس منها أصبح تحصيل الغرامات، بينما يفترض أن يكون الغرض منها الحد من الحوادث. معتبراً أنه كما جرى إنفاق تريليونات على إنشاء الطرق، فإن الأمر يتطلب أيضاً تطوير نظام رقابة حديث، يشمل استخدام الطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات المتقدمة.
وألقى الضوء على بعض التطبيقات التي تستخدم حالياً لتحذير السائقين من مواقع الرادارات والكمائن، مما يحدّ من فعالية السيطرة على الطرق، مشيراً إلى أنه 'ترتكب مخالفات تتعلق بتجاوز الأحمال المقررة من الشاحنات، التي تواجه بالتحصيل المالي من دون فرض عقوبات رادعة، إلى جانب غياب المواجهة الجادة لظاهرة السير العكسي المتزايدة على الطرق السريعة'. منوهاً بضرورة أهمية التزام وضع لوحات تحذيرية أثناء أعمال الصيانة، إذ إن تنفيذ الأعمال على الطرق من دون مراعاة هذه الأساسات، ومع غياب الرقابة الفعالة، يفاقم من أخطار الحوادث.
حلول مقترحة
ووفقاً لاستشاري تخطيط وهندسة المرور ومتخصص السلامة المرورية، اللواء أيمن الضبع، فإن العامل البشري يظل المسؤول الأول عن النسبة الكبرى من الحوادث، إذ يشير إلى أن تعاطي المواد المخدرة يتصدر قائمة الأسباب، في ظل تزايد نسب تعاطي المواد المخدرة، مما يؤدي إلى وقوع حوادث خطرة، إلى جانب السرعات الزائدة، وكذلك فاعلية العقوبات المطبقة ومدى تأثيرها في الحد من المخالفات.
ومن بين الحلول التي يقترحها الضبع، اعتماد مشروع قانون المرور، الذي نوقش في مجلس النواب عام 2019 ولم يصدر حتى الآن. ومن أبرز بنوده، وفق متخصص السلامة المرورية، تطوير نظام العقوبات من خلال تفعيل نظام نقاط الصلاحية لرخص القيادة، وهو أحد الأنظمة التي أثبتت فاعليتها في كثير من الدول، بحسب استشاري تخطيط وهندسة الطرق، إذ يجري خصم نقاط وفق نوع المخالفة، وعند نفادها تُعد الرخصة غير صالحة. ولإعادة تفعيلها، يجب على السائق اجتياز دورة تدريبية تعالج أنماط المخالفات المرتكبة، إلى جانب الغرامات المالية، وإيقاف الرخصة فترة محددة. مؤكداً أن العقوبات لا يجب أن تقتصر على الغرامات المالية فقط، لأن تأثيرها نسبي، ويعتمد على القدرة الاقتصادية للمخالف.
ولا يغفل الضبع أهمية مراقبة الطرق إلكترونياً أو من خلال دوريات متحركة، مع تقسيمها إلى قطاعات تُطبق فيها الإجراءات القانونية في حق المخالفين. لافتاً إلى أن الكمائن الثابتة أثبتت محدودية فاعليتها، واقترح إنشاء كيان مستقل مختص بالسلامة على الطرق، يتمتع بسلطة ومسؤولية مباشرة، يكون معنياً بوضع إستراتيجية للسلامة المرورية، على أن تُقيم الخطة سنوياً، نظراً إلى تعدد الجهات المعنية حالياً. داعياً أيضاً إلى فرض ضوابط صارمة على الحمولات الزائدة، لما لها من تأثير مباشر في تآكل الطرق وتقليص عمرها الافتراضي نتيجة تجاوز الأوزان المقررة.