اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في مشهد غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة، غادرت سيارة سوداء ذات نوافذ معتمة سجن 'لا سانتيه' في باريس، ترافقها دراجات نارية تابعة للشرطة، إذ كانت تقل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي إلى منزله في غرب العاصمة.
لم يكن هذا مجرد خروج من السجن، بل لحظة سياسية وقضائية فارقة، أعادت فتح ملفات التمويل الليبي، واستدعت ردود فعل متباينة من الصحافة الغربية، بين التحليل الحذر والنقد اللاذع.
ما بعد الإفراج؟
وذكر تقرير لموقع دويتشه فيله الألماني، أن الإفراج عن ساركوزي جاء بعد عشرين يومًا فقط من بدء تنفيذ عقوبة السجن لخمس سنوات، بتهمة التآمر في مخطط تمويل حملته الانتخابية عام 2007 بأموال من نظام القذافي.
لكن المحكمة لم تمنحه حرية مطلقة، بل فرضت عليه رقابة قضائية صارمة، شملت منعه من مغادرة البلاد، ومن التواصل مع مسؤولين ليبيين سابقين وكبار مسؤولي القضاء الفرنسي، بمن فيهم وزير العدل جيرار دارمانان، نظرًا لما وصفته المحكمة بـ'قدرته على تفعيل أجهزة الدولة'.
وفي أول ظهور له من داخل السجن، ظهر ساركوزي عبر شاشة المحكمة مرتديًا سترة زرقاء داكنة، وقال بصوت متماسك: 'السجن صعب، صعب للغاية... أناضل من أجل سيادة الحقيقة وإثبات برائتي'. وقد وصف موظفي السجن بأنهم 'إنسانيون بشكل استثنائي'، في محاولة لتلطيف صورة الاحتجاز التي هزّت الرأي العام الفرنسي.
تفاصيل الإفراج
أفادت صحيفة الجارديان بأن ساركوزي أُطلق سراحه من سجن لا سانتيه بعد ثلاثة أسابيع من بدء تنفيذ الحكم، وسيظل تحت الإشراف القضائي بانتظار محاكمة الاستئناف في العام المقبل، مع قيود تشمل عدم الاتصال بمتهمين آخرين أو مسؤولين في وزارة العدل.
وقد أثارت زيارة وزير العدل جيرالد دارمانان له داخل السجن شكاوى من محامين بسبب تضارب المصالح. وفي تصريح عبر رابط فيديو، عبّر ساركوزي عن رغبته في إثبات براءته، واصفًا تجربته بأنها 'كابوس'، مشيدًا بموظفي السجن، وكاشفًا عن رفضه تناول الطعام باستثناء الزبادي خوفًا من التلاعب به.
من جهتها، أشارت الإندبندنت إلى أن القضاة قرروا الإفراج عنه بعد أن خلصوا إلى أنه لا يشكل خطرًا على الهروب أو التأثير على الشهود، رغم خطورة التهم الموجهة إليه.
وقد أكدت سكاي نيوز أن الإفراج تم بعد عشرين يومًا فقط من الاحتجاز، مع استمرار القيود التي تمنعه من مغادرة فرنسا أو التواصل مع شخصيات مرتبطة بالقضية، ما يعكس حجم الحذر القضائي في التعامل مع رئيس سابق يتمتع بنفوذ سياسي واسع.
في باريس، انقسمت الصحف الكبرى بين من دافع عن ساركوزي ومن اعتبر خروجه تهديدًا لمصداقية القضاء. صحيفة لوفيجارو المحافظة وصفت الإفراج بأنه 'نهاية فصل مؤلم لرجل دولة'، وانتقدت ما سمّته 'تسييس العدالة'، بينما رأت صحيفة ليبراسيون اليسارية أن 'العدالة لا تُقاس بالمدة بل بالوضوح الأخلاقي'، مشيرة إلى أن الرقابة القضائية لا تعني البراءة.
أما لوموند فقد ركزت على البعد المؤسسي، معتبرة أن القضية تضع استقلال القضاء الفرنسي تحت المجهر، خاصة في ظل تصريحات حلفاء ساركوزي الذين وصفوا المحاكمة بأنها 'ذات دوافع سياسية'.
الصحافة الألمانية: الديمقراطية الأوروبية أمام اختبار الشفافية
موقع دويتشه فيله لم يكتف بتغطية الحدث، بل ربطه بسياق أوروبي أوسع، محذرًا من أن قضية ساركوزي تطرح أسئلة محرجة حول تمويل الحملات الانتخابية في الاتحاد الأوروبي، خاصة مع وجود سوابق مشابهة في ألمانيا وإيطاليا.
كما أشار التقرير إلى أن الرقابة القضائية المفروضة على ساركوزي تعكس قلقًا مؤسساتيًا من قدرة رئيس سابق على التأثير في مجريات التحقيق، وهو ما يكشف هشاشة الفصل بين السلطات في لحظات الأزمة.
الصحافة البريطانية: السلطة والعدالة في مواجهة مفتوحة
في لندن، وصفت صحيفة الجارديان القضية بأنها 'اختبار حقيقي للديمقراطية الفرنسية'، مشيرة إلى أن خروجه يسلط الضوء على التوتر بين النخبة السياسية والمؤسسة القضائية.
كما انتقدت محاولات أنصار ساركوزي لتشويه العملية القانونية، معتبرة أن 'لا أحد فوق القانون'، وأن دخول رئيس أوروبي إلى السجن يمثل لحظة مفصلية في تاريخ القارة.
أما التايمز، فلم يصدر عنها موقف موثق، لكن توجهها التحريري يدعم المقارنة مع قضايا فساد بريطانية سابقة، ما يعزز التحليل بأن الشفافية لا تتحقق بالخروج من السجن بل بالمحاسبة المستمرة.
الصحافة الأمريكية: التمويل الليبي يهدد صورة فرنسا
في واشنطن، ذكرت نيويورك تايمز أن الإفراج عن ساركوزي جاء مشروطًا، ويُعد خطوة أولى نحو محاكمة الاستئناف، بحسب وصف محاميه كريستوف إنجرين.
أما شبكة إن بي سي نيوز، فقد كشفت عن تفاصيل اجتماعات سرية جرت بين ساركوزي ومسؤولين ليبيين عام 2005، ما يعزز الشكوك حول وجود ترتيبات مالية غير معلنة.
من جهتها، أكدت وكالة أسوشيتد برس أن ساركوزي غادر السجن برفقة زوجته كارلا بروني وابنه جان، وسط إجراءات أمنية مشددة، مع استمرار وضعه تحت الإشراف القضائي الكامل.
وأشارت صحيفة جلوب آند ميل الكندية الى أن القضية تثير قلقًا ضمنيًا بشأن العدوى السياسية، خاصة في ظل تزايد التدقيق في مصادر تمويل الحملات الانتخابية في كندا.


































