اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ١٣ أب ٢٠٢٥
بعد سنوات من التدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن تحت شعار 'إعادة الشرعية'، تكشف الوقائع بوضوح أن هذا التحالف هو نفسه الذي أغرق البلاد في دوامة التفكك والتشرذم. ففي ظل غياب العلم اليمني وظهور علم الانفصال خلال لقاء وفد سعودي مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، عيدروس الزبيدي، في عدن، تبرز تساؤلات جدية حول حقيقة توجهات التحالف واستراتيجيته في اليمن.
هذا المشهد لا يقف عند حد الرمزية السياسية، بل يترافق مع كشف محاولات إماراتية لتغيير أسماء جزر ومواقع استراتيجية في أرخبيل سقطرى، ما يمثل تهديداً مباشراً للسيادة الوطنية ويعكس رغبة في إعادة رسم خارطة اليمن على أسس جديدة.
وفي خطوة تعكس تناقضات عميقة، يظهر عيدروس الزبيدي، وهو عضو في مجلس القيادة الرئاسي المفترض أن يمثل شرعية الدولة اليمنية ووحدتها، وهو يتبنى علناً رموز الانفصال، مما يطرح علامات استفهام حول دوره الحقيقي وموقف السعودية التي استقبلت هذا اللقاء في وقت يزداد فيه النفوذ الإماراتي في الجنوب.
هذه الوقائع تكشف عن واقع سياسي معقد، حيث تتبادل السعودية والإمارات الأدوار في تعزيز الانقسامات بدلاً من العمل على استعادة الوطن، مما يعيد اليمن إلى مربع الصراعات التي تهدد مستقبل الدولة ومصير شعبها.
مسار يهدد وحدة اليمن
بين علم الانفصال في عدن ومحاولات تغيير أسماء الجزر في سقطرى، يبدو أن التحالف السعودي الإماراتي، الذي دخل اليمن تحت شعار إعادة الشرعية، بات يمارس أدوارًا تهدد كيان الدولة اليمنية نفسها. ومع غياب موقف حكومي حاسم، تتسارع خطوات الواقع الجديد، بينما تتراجع فرص استعادة السيادة الكاملة على الأرض.
الصحفي مصعب عفيف أوضح في حديثه لـ'المهرية نت' أن التحالف أخفق في إعادة السلطة إلى صنعاء، واتجه بدلاً من ذلك إلى تشكيل مليشيات انفصالية جنوبية ذات طابع مناطقي وقروي، دعمها بالمال والسلاح، مع وعود بمساندتها لتحقيق الانفصال، إلا أن المشروع لم يكتمل حتى الآن.
وأشار عفيف إلى أن لقاء وفد سعودي مع ما يسمى 'رئيس الجنوب العربي' تحت علم الانفصال لم يكن مجرد تفصيل بروتوكولي، بل 'رسالة سياسية واضحة' تكشف ملامح التوجهات الجديدة للتحالف. فسياسة الرياض وأبوظبي – كما يراها – تقوم على تغذية الانقسامات: شمال ممزق بين الحوثيين وخصومهم، وجنوب تتنازعه قوى مدعومة من الطرفين، حيث تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الانفصالي، بينما تموّل السعودية مكونات معارضة لها، دون وضوح إذا كان هذا دعماً للوحدة أم تهيئة لانفصالٍ بديل.
كما لفت إلى ما وصفه بـ'انتهاك سيادي خطير'، في إشارة إلى محاولة الإمارات تغيير اسم جزيرة عبدالكوري إلى 'جزيرة عبدالسلام'، متسائلاً عن موقف الحكومة ومجلس القيادة المواليين للتحالف من مثل هذه الخطوات التي تمس عمق السيادة الوطنية.
ويختتم عفيف تحليله بالتأكيد على أن اليمن، منذ تدخل السعودية والإمارات، ينزلق تدريجياً نحو مستنقع صراع متعدد الأذرع، تتقاسمه أطراف محلية وإقليمية، فيما يغرق أبناؤه في واقع سياسي ضحل يمنعهم من الإبحار نحو بر الأمان. والنتيجة – كما يصفها – مشهد مرير، عنوانه الأبرز رعاية الانفصال وتفكيك الدولة على أيدي من دخلوا البلاد تحت لافتة إنقاذها.
صراع متناغم
يرى الأكاديمي والكاتب محسن عبدالجليل أن الصراع بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن يتخذ شكلاً 'متناغماً' رغم تناقضاته الظاهرية، حيث تتحرك كل دولة بخطوة يقابلها رد من الأخرى، في إطار يبدو أنه مصمم لتأجيج الخلافات وتعميق الانقسامات. فعندما يلوّح المجلس الانتقالي الجنوبي – المدعوم إماراتياً – بالسيطرة على حضرموت، تسارع السعودية إلى دعم تشكيل كيان حليف لها هناك، لترد أبوظبي بتوسيع قيادة الانتقالي عبر إدخال شخصيات محسوبة على السعودية داخل المجلس الرئاسي، بهدف الإخلال بالتوازن السياسي.
ويشير عبدالجليل إلى أن لقاء الوفد العسكري السعودي مع عيدروس الزبيدي تحت علم الانفصال حمل رسالة رمزية بالغة الدلالة، خصوصاً أن الزبيدي – وهو عضو في مجلس القيادة الرئاسي – يصرح علناً بأنه 'رئيس الجنوب العربي' وينفي أي صلة بالجمهورية اليمنية. الأمر يثير تساؤلات حول سبب موافقة السعودية على هذا الإطار الرمزي للاجتماع، وماهية 'التعاون المشترك' الذي جرى بحثه في تلك الأجواء؟.
ويضيف عبدالجليل أن المراقب للشأن اليمني يجد نفسه أمام مشهد يثير الحيرة، خاصة في ضوء الموقف السعودي منذ انقلاب مليشيات الانتقالي – 'أدوات الإمارات' – وسيطرتها على عدن ومحافظات جنوبية أخرى، مع وجود قرائن تشير إلى أن ما جرى كان مخططاً له مسبقاً بين الإمارات والمجلس الانتقالي من جهة، والسعودية من جهة أخرى.
ويرى متابعون أن السعودية فقدت بوصلتها في اليمن وباتت تسير وفق إيقاع السياسة الإماراتية، ما يطرح علامات استفهام حول مدى إدراكها لما يحاك ضد اليمن وانعكاساته على أمنها القومي. ويشيرون إلى أن مشهد علم الانفصال خلف عيدروس الزبيدي لم يكن صدفة، بل كشف أن الموقف السعودي السابق لم يكن مجرد ضعف في الأداء، بل تبادل أدوار محسوب بين الرياض وأبوظبي، قد يقود في النهاية إلى ترسيخ واقع التشطير.
ويخلص مراقبون إلى أن ما يحدث لا يمكن اختزاله في كونه خلافاً سعودياً إماراتياً على النفوذ، بل هو عملية تفكيك ممنهجة لليمن، تستخدم فيها الورقة الانفصالية، وتغيير أسماء الجزر، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية، بهدف إضعاف الدولة وإعادة تشكيل الخارطة السياسية بما يخدم مصالح الطرفين، فيما تظل 'الشرعية' غائبة عن الفعل والحضور.