اخبار اليمن
موقع كل يوم -سبأ نت
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
طوباس - سبأ:
الأغوار الفلسطينية.. لا تُحاصر الحقول بالدبابات فقط، بل بالانتظار الطويل عند الحواجز. مئات المزارعين والعمّال يقطعون كل صباح مسافات الأمل، ليصطدموا بأسلاك العدو الإسرائيلي الحديدية التي تفصلهم عن أرزاقهم.
هناك، تتكدس شاحنات الخضار تحت الشمس، وتذبل تمور الأغوار قبل أن تصل إلى الأسواق، بينما يواصل العدو خنق “سلة فلسطين الغذائية” ببطءٍ محسوب، يهدد لقمة الفلاح الفلسطيني وأمنه الغذائي معًا.
في شمال الأغوار، يقف أكثر من 240 عاملًا فلسطينيًا كل صباح أمام حاجز “الحمرة” العسكري الإسرائيلي، ينتظرون لساعات طويلة السماح لهم بالمرور نحو عملهم في مصانع التمور بقرية الجفتلك. لا شيء ثابت في يومهم سوى الانتظار، ولا ضمانة لوصولهم إلا “مزاج” الجنود خلف الحاجز.
تحوّل هذا الحاجز، الرابط بين نابلس وطوباس ومناطق الأغوار وأريحا، إلى شريانٍ مقطوع يختنق عنده الإنتاج، وتنكمش معه ساعات العمل إلى أقل من أربع يوميًا، في وقتٍ تمثل فيه الأغوار قلب الزراعة الفلسطينية ومصدر خيراتها.
يقول محمد خضر أبو سعدة، مدير شركة “البيداء للتمور”، لـ وكالة سند للأنباء، إن الحركة الإنتاجية والتصديرية للتمور تأثرت بشكل مباشر بإغلاق الحواجز والمعابر، موضحًا أن “تكلفة تصدير طن التمور تضاعفت إلى 8 آلاف دولار بعدما كانت نصف هذا المبلغ، بسبب اضطرارنا لاستخدام طرق بديلة طويلة ومكلفة”.
الخسائر لا تقف عند التمور. فوفق رزق أبو ثابت، عضو لجنة سوق نابلس المركزية، تتلف يوميًا كميات كبيرة من الخضار والفواكه على الحواجز.
يقول بأسى: “يظل السائقون والمزارعون عالقين لساعات تحت الشمس، بعضهم يضطر للالتفاف عبر طرق وعرة وبعيدة. مزاج الجنود يحدد مصير الإنتاج ومصدر رزق آلاف العائلات.”
وفي منطقة فروش بيت دجن، هجَر عشرات المزارعين أراضيهم الزراعية بعدما أصبحت رحلة الوصول إليها مغامرة محفوفة بالمنع والانتظار والخسارة.
أما في خربة الفارسية، فيختصر المربي منصور أبو عامر المعاناة بجملة تختنق بالألم: “أنا على حاجز تياسير منذ ساعات، والجبنة والألبان تفسد تحت الشمس، ثم يشتريها التاجر بسعر بخس، فنخسر مرتين: على الحاجز وفي السوق.”
ويكشف معن صوافطة، مدير الغرفة التجارية في طوباس والأغوار الشمالية، أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة خلال الشهور الثلاثة الماضية تجاوزت 15 مليون دولار، نتيجة إغلاق الحواجز، لا سيما حاجز تياسير الذي أغلق أكثر من 40 يومًا متواصلة.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة والجهاز المركزي للإحصاء، تضم الأغوار الشمالية آلاف الحيازات الزراعية، فيما يعمل في قطاع زراعة وتعبئة التمور وحده أكثر من 7,500 عامل، نصفهم من محافظتي نابلس وطوباس. هؤلاء، كما يقول مدير دائرة الزراعة في أريحا والأغوار أشرف بركات، “يتأخرون عن أعمالهم يوميًا، ما يسبب خسائر فادحة في الإنتاج ويعطّل سلاسل التوريد والتعبئة.”
ويضيف بركات أن المزارعين باتوا يستخدمون شاحنات مبردة لعبور الحواجز، ما ضاعف كلفة النقل والإنتاج، ودفع العديد منهم إلى الإحجام عن الزراعة أو التوسع فيها. وتقدر خسائر 176 مزارعًا في الأغوار خلال السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من 3 ملايين دولار.
ورغم أن الأغوار تُعرف بـ “سلة فلسطين الغذائية” وتشكل نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، إلا أن العدو الإسرائيلي حوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، صادر آلاف الدونمات لصالح المستوطنات والتدريبات العسكرية، وهدم البيوت الزراعية، وجفف الينابيع.
تمتد منطقة الأغوار الفلسطينية من بيسان شمالًا حتى النقب جنوبًا، ومن نهر الأردن شرقًا إلى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا، وتبلغ مساحتها نحو 720 ألف دونم. أرضٌ واسعة، لكن الحياة فيها تضيق بالحواجز، ويضيق معها رزق المزارعين يوماً بعد يوم.
بين حاجزٍ وآخر، تُختطف ساعات العمل، وتُنهب خيرات الأرض، وتذبل “سلة فلسطين الغذائية” شيئًا فشيئًا. وفي كل انتظارٍ طويل عند الحواجز، تتجسد مأساة الفلسطيني الذي يزرع ليحيا، بينما يزرع العدو الحواجز ليقتله ببطء — قتلاً للوقت، وللرزق، وللأرض معًا.
إكــس