اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٣ أيار ٢٠٢٥
في 22 مايو 1990، أُعلن عن قيام الجمهورية اليمنية، إثر توقيع اتفاقية الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، والجمهورية العربية اليمنية في الشمال، لتُطوى بذلك صفحة طويلة من الانقسام السياسي والجغرافي، وتبدأ مرحلة جديدة يُعوّل عليها لتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة.
وجاء إعلان الوحدة تتويجًا لمباحثات ومفاوضات مطوّلة بين قيادتي الشطرين، وسط تفاؤل شعبي عارم عبّر عن نفسه في مظاهر الاحتفال والدعم الواسع لفكرة اليمن الواحد.
واعتبر كثيرون تلك اللحظة نقطة تحول مفصلية في تاريخ البلاد الحديث، خصوصًا أنها جاءت في ظل تحولات إقليمية ودولية كبيرة، أعادت صياغة التحالفات والهويات السياسية.
لكن سرعان ما بدأت التصدعات تظهر في جسد الدولة الوليدة، نتيجة خلافات سياسية واقتصادية وهيكلية، أدت إلى اندلاع حرب بين الشمال والجنوب في 27 أبريل/نيسان 1994، وانتهت بسيطرة القوات الشمالية على الجنوب، وإعادة فرض الوحدة بالقوة، ما ألقى بظلاله على مستقبل العلاقة بين الطرفين، وخلّف جراحًا لا تزال حاضرة حتى اليوم.
ورغم بقاء الوحدة، إلا أن نتائج الحرب خلفت شرخًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا، خاصة في الجنوب، حيث نشأت حالة من التهميش السياسي والإقصاء الإداري، ما زاد من حجم الاستياء الشعبي وأضعف شعور الانتماء إلى الدولة المركزية.
بدأ الحراك الجنوبي بمطالب موجهة للنظام الحاكم تتعلق بالمساواة، وإعادة المسرّحين العسكريين والمدنيين، وإصلاح مسار الوحدة، لكن مسيرته عرفت تطورًا كبيرًا في 7 يوليو/تموز 2007، حين بدأت مطالبته باستعادة دولة الجنوب.
ومع تصاعد وتيرة الصراع السياسي في البلاد، تحولت هذه الاحتجاجات إلى حركة منظمة، ووجدت دعمًا سياسيًا وإعلاميًا من أطراف إقليمية.
وفي 11 مايو/أيار 2017، أعلن عيدروس الزبيدي تشكيل 'هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي'. بعد أسبوع من تكليف الحراك الجنوبي له بتشكيل قيادة سياسية لإدارة وتمثيل الجنوب.
في المقابل، ومنذ اندلاع الحرب في مطلع 2014، تسيطر جماعة الحوثي على أغلب المحافظات الشمالية، بما فيها العاصمة صنعاء، بعد انقلابها على الحكومة المعترف بها دوليًا، وأسست سلطة موازية فرضت من خلالها نظامًا سياسيًا وأمنيًا خاصًا، في ظل تصاعد الانقسام الوطني وتعدد مراكز النفوذ.
واليوم، وبعد مرور 35 عامًا على إعلان الوحدة، تحل الذكرى في ظل واقع سياسي ممزق، وانقسام جغرافي واسع، وعلى الرغم من محاولات بعض القوى السياسية الحفاظ على شكل الدولة الموحدة، فإن المؤشرات على الأرض تعكس مسارات معقدة قد تهدد ما تبقى من الوحدة الوطنية.
*خطوة تاريخية
بهذا الشأن، يقول الصحفي والناشط الإعلامي 'حمدان البكاري' إن: 'الوحدة اليمنية مثّلت خطوة تاريخية نحو تأسيس دولة يمنية موحدة، وقد قوبلت بتفاعل شعبي واسع رغم بعض التحفظات من جهات معينة ومخاوف من احتمالية هيمنة طرف على آخر'.
وأضاف لـ'المهرية نت' أن 'الوحدة، رغم كل التحديات، نجحت في تحقيق قدر من الاستقرار النسبي بعد سنوات من الانقسام، وأسهمت في فتح آفاق جديدة للتعاون والتنمية، كما عززت الهوية اليمنية المشتركة رغم الفروقات الاقتصادية والاجتماعية'.
وأشار إلى أن 'الوحدة واجهت منذ وقت مبكر تحديات كبيرة، أبرزها التضارب الإيديولوجي بين النظامين السابقين، وتفشي الفساد الإداري، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، ومهّد الطريق لاندلاع الحرب، التي عمّقت من حالة الانقسام وشكّلت تكتلات سياسية وعسكرية متنازعة'.
وفي ما يخص مستقبل الوحدة، يرى البكاري أنها ستظل 'اختبارًا حقيقيًا يتطلب جهودًا مكثفة لبناء الثقة بين المكونات المختلفة، والعمل على تجاوز التحديات المتراكمة'.
وأكد أن 'توفر إرادة سياسية جامعة، قادرة على إشراك الجميع في حوار وطني شامل، واحتواء المطالب الجنوبية والشمالية، قد يسهم في إعادة بناء دولة موحدة على أسس عادلة ومستقرة'.
*أبرز القضايا الجدلية
من جانبه، يقول الصحفي 'أسامة كربوش'. إن: 'الوحدة اليمنية تظل من أبرز القضايا الجدلية التي انقسم حولها المزاج الشعبي شمالًا وجنوبًا، بين من يراها منجزًا تاريخيًا، ومن يعتبرها عبئًا ثقيلًا'.
وأضاف لـ'المهرية نت' أن 'التفاعل الشعبي مع الوحدة مر بمراحل متعددة؛ فقبل 1990 كانت الحماسة وحدوية بامتياز، فيما تحوّل المزاج تدريجيًا – خاصة بعد حرب 1994 – إلى جنوب متحفّظ، وشمال يتبناها كوسيلة لتثبيت الشرعية وتغطية التناقضات الداخلية'.
ولفت إلى أن 'أهمية الوحدة لا تقتصر على بعدها الرمزي، بل تتصل بإمكانية بناء دولة حديثة تتجاوز إرث التشظي والانقسامات'.
واستطرد قائلاً: 'لكنّ الطريقة العشوائية التي تم بها إعلان الوحدة، وفرض نموذج اندماجي دون توافق فعلي، أدت إلى نتائج كارثية؛ فبدلًا من أن تكون حلاً، تحولت إلى أزمة، خاصة في ظل غياب آليات عادلة لتقاسم السلطة والثروة'.
وتابع 'اليوم، لا يكمن التحدي في خطاب الانفصال الجنوبي فحسب، بل أيضًا في الواقع الطائفي الذي رسخه الحوثيون في الشمال، والانقسامات التي مزّقت الجغرافيا السياسية إلى كانتونات'.
ويرى كربوش أن 'مستقبل الوحدة لن يكون بعودتها إلى النموذج السابق، بل ربما في صيغة جديدة – فيدرالية أو كونفدرالية – تعترف بالتنوع، وتحترم إرادة المكونات'، مضيفًا: 'ما نحتاجه اليوم ليس القتال من أجل الوحدة أو الانفصال، بل الحوار من أجل حق الناس في تقرير مصيرهم. فالقوة لا تصنع الأوطان، إنما تصنعها العدالة والمواطنة والاعتراف بالآخر'.
*مهمة للغاية
بدوره، يقول الصحفي 'ضيف الله الصوفي'. إن: 'الوحدة اليمنية مهمة للغاية، سواء في الماضي أو الحاضر، وقد شكّلت سابقًا نقطة تحول، وعملت على توحيد الأراضي اليمنية والحكم في الشمال والجنوب'.
وأضاف لـ'المهرية نت' أن: 'اليوم، مع حلول الذكرى، لا يزال كثير من اليمنيين يحتفون بها لما لها من أهمية في ذاكرتهم ورمزيتهم التاريخية'.
ولفت إلى أن 'الوحدة تواجه تحديات كبيرة جراء تشظي المكونات اليمنية، وانقسام البلاد، لكن الأمل ما زال معقودًا على توحّد القوى تحت إطار الحكومة الشرعية، وتحرير اليمن، وإعادة الوحدة'.
*مطالب شعبية
وتقول أم محمد -56 عامًا- إن: 'الوحدة اليمنية كانت في بدايتها مطلبًا شعبيًا بين السكان في الشمال والجنوب، خاصة مع الانقسام الذي كان سابقًا، وصعوبة التنقل بين الطرفين إلا بجواز سفر'.
وأضافت لـ'المهرية نت' :'أثناء زيارة علي سالم البيض إلى صنعاء لإجراء بعض المباحثات، كان الناس يترقبون إعلان الوحدة بفرح كبير، وتحققت بعد ذلك في 22 مايو'.
وتابعت 'بعد إعلان الوحدة، عمّ الفرح الأراضي اليمنية، واحتفى الناس بها بشكل كبير، حتى أنهم أشعلوا النيران على أسطح المنازل تعبيرًا عن الفرحة'.
وأوضحت أن 'الواقع الآن أصبح ممزقًا بسبب الحرب، ويخشى المواطنون السفر من منطقة لأخرى خشية الاشتباه أو الاحتجاز، كما أن الاحتفاء بالوحدة أصبح محدودًا، خاصة في بعض المناطق الجنوبية'.
وختمت حديثها قائلة: 'الشعب اليمني ما زال يؤمن بالوحدة، والحفاظ على مكتسباتها الوطنية، وقد يقوم بثورة لتصحيح مسار اليمن الجمهوري'.