اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
من يقف وراء ارتكاب الجريمة ؟ ولماذا ؟ وثيقة وتسجيل صوتي يكشفان المستور ..
تعز تقتل ضمير المدينة ..
رصاص الفساد يقتل الدولة المدنية في وضح النهار
سلسلة اغتيالات في تعز: من العدنان إلى المشهري… من يحمّي القتلة؟
القبض على المنفذ لا يكفي: العقل المدبر ما زال طليقًا
غضب الشارع يتفجر: مطالب بمحاكمة القتلة وكشف الرؤوس الكبيرة
دماء المشهري… شرارة لإعادة الدولة أو سقوط تعز بالكامل
في مدينة تعز اليمنية، التي أنهكتها سنوات الحرب والانقسامات السياسية، تتقاطع المصالح مع شبكات فساد مسلحة، برزت جريمة اغتيال أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، كجرس إنذار صارخ في وعي اليمنيين. تعز، التي كانت تُعرف بعاصمة الثقافة اليمنية، تحولت اليوم إلى ساحة للفوضى الأمنية وحروب النفوذ، حيث تصارع ميليشيات وعصابات مسلحة تحت عباءة الشرعية، بينما يدفع المدنيون، خاصة الناجحون وأصحاب المبادرات الإصلاحية، الثمن الأكبر.
أفتهان المشهري كسرت القوالب التقليدية بتوليها إدارة الصندوق، وسعت لمواجهة الفساد في أحد أهم المرافق الخدمية بالمدينة، لتصبح رمزًا مدنيًا يهدد مصالح لوبيات المال والسياسة. لم يكن اغتيالها حادثة جنائية عابرة، بل انعكاسًا لصراع عميق يتشابك فيه الأمني بالعسكري، ويفضح غياب الدولة وسيطرة النفوذ الحزبي. الرصاص الذي أودى بحياتها لم يقتل موظفة فحسب، بل استهدف فكرة الدولة المدنية نفسها، وأرسل رسالة واضحة: أي محاولة لمكافحة الفساد أو إعادة بناء مؤسسات حقيقية ستواجه بالعنف الجسدي.
سلسلة اغتيالات: من العدنان إلى المشهري
جريمة أفتهان تأتي ضمن سلسلة اغتيالات سياسية في تعز طالت قيادات عسكرية ومسؤولين محليين ونشطاء، مثل العميد عدنان الحمادي والمقدم عبد الله النقيب، حيث بقيت معظم هذه الجرائم دون محاسبة بسبب الحماية السياسية والحزبية التي تحظى بها شبكات الفساد.
اغتيال أفتهان كشف فشل السلطة المحلية والأجهزة الأمنية في حماية مسؤول معروف بتهديداته المعلنة منذ أشهر، فضلاً عن رفض القوى المسيطرة على القرار الأمني إجراء أي تغييرات في قياداتها، خشية كشف ملفات الفساد وفكك شبكة المصالح المتحالفة معها.
حرب ضد الفساد
تولت أفتهان المشهري إدارة صندوق النظافة والتحسين في أكتوبر 2023، وسط صندوق مثقل بالديون وتراجع الأداء، وإيرادات لا تتجاوز أحيانًا 120 مليون ريال شهريًا، فيما تجاوزت مديونيته مليار ريال. قبولها المنصب كان بمثابة مغامرة شديدة الخطورة، خاصة كأول امرأة تتولى هذا الدور.
بشخصيتها الصلبة وهدوئها الواثق، شرعت أفتهان في حصر الموارد المهدورة وكشف مواطن الفساد، وأحالت نحو 40 موظفًا إلى النيابة بتهم صرف غير قانوني، كثير منها بتوجيهات مسؤولين نافذين خارج الصندوق. كما استعادت ممتلكات وآليات الصندوق المختفية، ما شكّل سابقة في مدينة اعتادت على الإفلات من المساءلة.
إنجازاتها كانت ملموسة: تضاعفت إيرادات الصندوق، انتقل مقره إلى مبنى حكومي مؤهل، أطلقت مشاريع تدوير المخلفات والبلاستيك، وخططت لتشجير الشوارع الحيوية وإعادة تأهيل المرافق. هذه الإصلاحات لم تعزز فقط قدرة الإدارة على تقديم خدمات فعالة، بل شكلت تهديدًا مباشرًا لشبكات الفساد الراسخة.
ضغوط ومفارقات
نجاح أفتهان أثار حملة مضادة شرسة: تعطيل تحصيل موارد الصندوق، حرمانه من مستحقاته، وتهديدات علنية ومبطنة لإجبارها على التراجع. وبلغت المفارقة ذروتها حين تم تكليف جندي متهم بجرائم قتل سابقة لحمايتها، في مشهد اعتبره المقربون منها بمثابة إرسال القاتل لحراسة ضحيته. هذا يدل بوضوح على هشاشة حماية النزاهة في تعز، حيث السلطات المحلية عاجزة أو متواطئة أمام نفوذ المافيات المسلحة.
اتهامات واضحة ونفوذ متجذر
تتحمل جماعة الإخوان وحزب الإصلاح مسؤولية متجذرة في الهيمنة على القرار الأمني والعسكري في تعز، بحسب شهادات نشطاء وصحفيين. المؤسسات الأمنية تحولت إلى أذرع موازية للمصالح الحزبية، ما يفسر كيف تمر جرائم اغتيال كجريمة أفتهان المشهري دون محاسبة حقيقية.
الصحفي ماجد المذجحي يؤكد أن الإصلاح يمتلك شبكة حماية متشابكة، تجعل محاسبة القتلة شبه مستحيلة. بينما يرى عبدالرحمن أنيس أن تعز تمثل نموذجًا للدولة داخل الدولة، حيث تتخذ القرارات الأمنية من وراء أبواب حزبية مغلقة، بينما تبقى السلطة المحلية واجهة شكلية عاجزة.
الغضب الشعبي
اغتيال أفتهان المشهري أيقظ غضب المدينة، حيث خرجت إدانات غير مسبوقة من أطياف سياسية واجتماعية مختلفة، مطالبين بمحاكمة القتلة وكشف الرؤوس الكبيرة خلف الجريمة. محافظو تعز السابق والحالي وقيادات المجتمع المدني وصفوا الجريمة بأنها فضيحة، مؤكدين أن استمرار الإفلات من العقاب يعزز الفوضى والانفلات الأمني.
الشارع خرج في مسيرات ووقفات احتجاجية، مرددًا شعارات تطالب بمحاسبة القتلة، بينما تضامن ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي مطالبين بتحقيق دولي مستقل.
مطالب المجتمع المدني
منظمات المجتمع المدني أكدت أن دماء أفتهان المشهري يجب أن تصبح نقطة تحول لإعادة بناء مؤسسات الدولة، مطالبة بإقالة القيادات الفاشلة، تشكيل لجنة تحقيق مدنية مستقلة، وإشراك نقابات وطلاب لضمان الشفافية.
الحزب الاشتراكي اليمني حذّر من أن بقاء القيادات الحالية يعني تكرار المأساة، داعيًا إلى إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الأمنية وتفعيل دور القضاء.
الأكاديميون والصوت القانوني
الباحث عبد الإله يحيى عبد الملك اعتبر الاغتيال صفعة للنسيج القانوني والاجتماعي في تعز، مشددًا على أن استمرار الإفلات من العقاب يشكل خطرًا على استقرار المحافظة. ودعا إلى إحالة المسؤولين المقصرين إلى القضاء، إعادة توزيع المناصب وفق الكفاءة والمناطقية، وتفعيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة، مع إشراك المجتمع المدني لضمان الشفافية.
محاولات رسمية لاحتواء الغضب
مركز الإعلام الأمني أعلن القبض على أحد المتهمين الرئيسيين، لكن ردود الفعل الشعبية والإعلامية لم تهدأ، إذ اعتبر كثيرون أن القبض على منفذ واحد لا يعالج الشبكة الحقيقية خلف الجريمة، مما يقلل الثقة في قدرة الأجهزة الأمنية على حماية المدنيين.
الخسارة الإنسانية ونداء العدالة
أفتهان المشهري لم تكن مجرد مديرة حكومية، بل رمزًا للمرأة الوطنية التي تواجه الفساد وتحوّل المرافق العامة المتعثرة إلى مؤسسات نموذجية. اغتيالها رسالة تهديد لكل من يسعى لإصلاح الدولة، ويعكس هشاشة المؤسسات في تعز.
الشارع والمجتمع المدني يطالبان بتحقيق دولي مستقل، محاسبة المقصرين، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية لضمان حماية المدنيين واستعادة دولة القانون.
دماء أفتهان المشهري قد تصبح الشرارة التي تعيد البوصلة نحو دولة المؤسسات والقانون في تعز، أو تكشف استمرار الهيمنة المسلحة والفساد السياسي، ما يجعل حماية الإصلاح والنزاهة واجبًا إنسانيًا وقانونيًا عاجلاً.