اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
في الوقت الذي يخيّم فيه الصمت الرسمي الأوروبي على واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث، بدأ صوت الفنانين والمثقفين في بلجيكا يعلو كصرخة ضمير ترفض أن تُكمم، وتقاوم التحلل الأخلاقي في المواقف السياسية. هؤلاء، الذين لطالما آمنوا بأن الفن لا ينفصل عن الإنسان، أطلقوا منذ نحو شهرين مبادرة «أنقذوا غزة» ويعززونها الآن.
تقف وراء المبادرة الممثلة البلجيكية كاترين دي رويشر، التي قالت في تصريحات إعلامية إن الفكرة وُلدت من إحساس متنامٍ بالعجز والغضب تجاه التواطؤ الدولي مع الجرائم الجارية في غزة. «نحن لا نحتمل أن نكون شهودًا على الإبادة، ثم نكتفي بالصمت أو التبرير»، هكذا عبّرت دي رويشر عن دوافعها، مضيفة أن المبادرة تسعى إلى تجميع أصوات المواطنين الذين يشعرون بالعار من موقف حكوماتهم، وإيصال تلك الأصوات إلى العالم.
لكن المبادرة لم تتوقف عند رفع اللافتات أو إصدار البيانات، بل اتخذت منحى قانونيًا حازمًا، إذ أعلنت دعمها للدعوى القضائية التي رفعتها منظمة «الحق من أجل غزة» ضد الحكومة البلجيكية، متهمة إياها بالتقاعس عن واجبها القانوني في منع جريمة الإبادة الجماعية. ويستند هذا التحرك إلى مواد واضحة في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة، والتي تُحمّل الدول مسؤولية التحرك الفوري في حال وجود مؤشرات جدّية على حدوث إبادة، وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة مرارًا في الحالة الغزية.
عبّرت دي رويشر عن قلقها من الأثر النفسي والأخلاقي الذي تتركه هذه المجازر في وعي الأطفال الأوروبيين أنفسهم. وقالت: «أطفالي يسألونني لماذا لا يتحرك العالم لإنقاذ أطفال غزة. كيف أشرح لهم أن الإنسانية يمكنها أن تُخدَّر بهذه السهولة؟». وتساءلت في مرارة: «أي قيم نزرعها في الأجيال المقبلة إذا لم نواجه هذه الفظائع؟».
كما دعت إلى مقاطعة الجهات والشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، مشددة على أن المعركة لم تعد عسكرية فقط، بل ثقافية واقتصادية أيضًا، وأن سلاح المواطن العادي هو الرفض والمقاطعة.لم تكن دي رويشر الصوت الوحيد، فقد انضم للمبادرة عدد من الفنانين الشباب، أبرزهم الممثل الصاعد كوبا ديبي، الذي لم يتردد في التعبير عن موقفه الحاسم. «أنا أتحدث اليوم، لا كممثل، بل كإنسان»، قالها ديبي في حديثه، موضحًا أن ما يحدث في غزة «تجاوز حدود السياسة ولامس جوهر الضمير الإنساني».
وأكد أن الفنانين يمتلكون منصات وقدرة على التأثير، ما يجعل من صمتهم تواطؤًا مقنّعًا. وأضاف: «حين يموت الأطفال جوعًا في القرن الحادي والعشرين، لا يكون الصمت حيادًا بل جريمة بحد ذاتها». ودعا زملاءه من الفنانين إلى استخدام أعمالهم ومنصاتهم لرفع الوعي، متمنيًا أن يساهم ذلك في خلق موجة ضغط شعبي يصعب على الحكومات تجاهلها.
وتشهد المبادرة تنظيم سلسلة فعاليات فنية وثقافية في عدد من المدن البلجيكية، من بينها بروكسل وأنتويرب، حيث يشارك فنانون ومصممون وكتاب وموسيقيون في عروض ومعارض مفتوحة تمحورت حول معاناة الشعب الفلسطيني، وتحديدًا في غزة. وقد شهدت هذه الفعاليات حضورًا جماهيريًا لافتًا، مع توزيع منشورات توعوية تسرد خلفيات الوضع الإنساني والقانوني في القطاع المحاصر.
هذه المبادرة وغيرها من الأصوات الأوروبية الحرة، تُشكّل اليوم بارقة أمل وسط ظلام الصمت الغربي، وتؤكد أن الفن، حين يُسخّر في خدمة الإنسانية، يصبح مقاومة، ويستعيد معناه الحقيقي كوسيلة للتغيير، لا مجرد وسيلة للترفيه.