اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٢ أب ٢٠٢٥
تحت عنوان : “موريتانيا في مواجهة نهب مياهها”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في ريبورتاج لها إن موريتانيا تواجه خطر نهب مواردها البحرية، لاسميا في مدينة نواذيبو التي أصبحت مركزا للصيد البحري العالمي، حيث تنشط آلاف الزوارق ومئات السفن الأجنبية.
مع حلول الليل على ميناء نواذيبو في شمال غرب موريتانيا، لا يضيع قارب الصيد “وفاء 5” دقيقة واحدة على الرصيف. في إحدى ليالي منتصف يونيو، يتم تفريغ “150 طنًا من السردينيات الصغيرة”، حسب ما يوضح لـ“لوموند” مالكه الموريتاني، عزيز بوغربال، ليتم تجميدها بسرعة في مصنعه.
بينما ترتدي مئات النساء القفازات والحجاب ويقمن بفرز الأسماك وسط ضجيج عربات النقل، تُعبأ الأسماك في عبوات بيضاء مغطاة بالجليد، لتُرسل عند الفجر إلى نواكشوط أو كوناكري (غينيا) أو أبيدجان (كوت ديفوار).
لكن هذه العملية التي قد تبدو عادية في أحد أكبر موانئ الصيد في العالم – الذي يضم بين 6 آلاف و7 آلاف زورق و400 سفينة أجنبية – تخفي واقعا خطيرا، توضّح “لوموند”، مشيرةً إلى أنه قبل فرض حصة إلزامية في عام 2021 تقتضي تخصيص 20% من الصيد للتجميد وللاستهلاك البشري، كانت 95% من الكميات تُحوّل إلى دقيق وزيت سمك، حسب الباحث شيخ باي إبراهيم من المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد. ورغم ذلك، ما زال أكثر من 50% من صادرات المنتجات البحرية يتجه لهذا الغرض.
صراع القوى البحرية الكبرى
وتابعت “لوموند” موضّحة أنه رغم أن قطاع الصيد في موريتانيا يوفر نحو 300 ألف وظيفة، إلا أن التحول من إنتاج “الموكا” (الاسم المحلي لدقيق وزيت السمك) إلى التجميد ما يزال بطيئًا. ويقول الباحث شيخ باي إبراهيم من المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد إن البنية التحتية الضعيفة لمعالجة الأسماك سمحت بازدهار صناعة دقيق وزيت السمك في غرب إفريقيا. ففي نواذيبو وحدها، 29 من أصل 46 وحدة إنتاج مخصصة لتحويل السردينيات و “الماكاريل” إلى أعلاف حيوانية لصالح مزارع الأسماك والخنازير والدواجن في العالم.
ويُرجع رئيس منظمة بيئية محلية، هذا التوسع إلى الطفرة العالمية في بروتينات الحيوانات، وإلى الخصائص الجغرافية الفريدة للمنطقة، مثل قربها من محمية حوض أرغين البحرية، وتعرضها لظاهرة “التيارات الصاعدة” التي تجلب المياه الباردة الغنية بالمواد المغذية، ما يجعلها منطقة صيد مفضلة ولكن أيضًا معرضة للاستنزاف.
“كارثة اقتصادية وبيئية”
يقول بوغربال (مالك قارب صيد): “لإنتاج طن من دقيق السمك، نحتاج إلى 4.5 أطنان من الأسماك”.. تحولت هذه الصناعة من نشاط ثانوي إلى صناعة رئيسية بسبب ضعف البنية التحتية للتحويل، ووجود منافسة شرسة بين قوى كبرى كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا. وقد بدأ عدد من المصانع في الإغلاق بسبب تناقص المخزون السمكي، وسط تحذيرات من انهيار شامل للثروة السمكية في غرب إفريقيا، إن لم يتم تدارك الوضع. ورغم فرض قيود وحصص منذ عام 2021، لم تتمكن موريتانيا من وقف الاستنزاف. ففي عام 2024، تم تصدير نحو 65 ألف طن من الدقيق والزيت – ما يعادل نحو 292500 طن من الأسماك – معظمها نحو أوروبا، توّضح “لوموند”.
ويقول بوغربال: “سنحتاج لسنوات لتجاوز هذه الكارثة الاقتصادية والبيئية المزدوجة”. وهو ابن عائلة تعمل في قطاع الصيد، ويقر بأن هذه الصناعة – التي ما تزال شركته جزءا منها – تشكل خطرا كبيرا على الأمن الغذائي في الدول المجاورة، مثلما تؤكد منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمات غير حكومية أخرى.
من التصدير إلى الانهيار
ويضيف بوغربال أن بلاده تأخرت في تطوير قطاع دقيق وزيت السمك، وهو ما كان خيارا خاطئا من الناحية الاقتصادية. بدأ نشاطه في 2001 عبر تصدير الأسماك لمصانع التعليب في أوروبا الشرقية، لكنه لم ينتقل لإنتاج الدقيق إلا في 2010. وكان يعتمد على الصيادين التقليديين الذين كانت نسبة 20% إلى 50% من صيدهم غير صالحة للاستهلاك البشري.
تشير “لوموند” إلى أنه في السنوات الأخيرة تراجعت صادرات شركة بوغربال من الدقيق من 12979 طنا في 2020 إلى 5543 طنا فقط في عام 2024. ويقول: “لم يعد هناك أسماك ببساطة”. ورغم انسحاب معظم المنافسين بعد فرض الحصص، اختار هو البقاء. واليوم، بالكاد ما يزال 10 من أصل 29 مصنعا يعمل في منطقة “بونتيا” الصناعية. أما الأدخنة السوداء التي كانت تلوث المدينة فقد اختفت، وكذلك الجبال من الأسماك المتعفنة التي كانت تملأ الشوارع، تتابع “لوموند”.
خطر يمتد إلى المنطقة
تقول بياتريس غوريه من ائتلاف “اتفاقيات صيد عادلة” الأوروبي الإفريقي، إن الكارثة باتت قريبة، ولن تبقى هناك موارد من الأسماك السطحية الصغيرة إذا استمر الوضع كما هو. ويضيف بوغربال: “لهذا السبب، نحن بحاجة إلى إدارة إقليمية منسقة حتى لا تتكرر أخطاء موريتانيا في غامبيا وغينيا بيساو”، خاصة أن السفن التركية ومصانع الدقيق الصينية التي كانت تهيمن على مدنية نواذيبو بدأت تظهر الآن في سواحل تلك الدول.