اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
واشنطن- منذ شنت إسرائيل هجومها الجوي الكبير على الأراضي الإيرانية في فجر 13 يونيو/ حزيران الحالي، والرد الإيراني الكبير على الهجوم في مساء اليوم نفسه، يشهد الشرق الأوسط واحدة من أخطر المواجهات العسكرية منذ الغزو الأمريكي للعراق في مارس/ آذار 2003.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية تقول المحللة السياسية الدكتورة بورجو أوزتشيليك؛ الباحثة الزميلة في برنامج أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن إن الهجوم الجوي الإسرائيلي فتح “صندوق الشرور” على مصراعيه في تصعيد سيعيد تشكيل الشرق الأوسط. فالعملية العسكرية الإسرائيلية التي حملت الاسم التوراتي “الأسد الصاعد” واستهدفت كبار قادة الحرس الثوري الإيراني والمنشآت النووية الإيرانية تحدت بقوة الافتراضات التي كانت قائمة بشأن قدرات الردع الإيرانية.
وترى أوزتشيليك الحاصلة على درجة الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من جامعة كمبريدج البريطانية أن إسرائيل استخدمت مزيجا من عمليات الاستخبارات البشرية والإلكترونية والسيبرانية لكي تفرض حصارا على إيران وتقلص خياراتها العملية في بداية الحرب. ورغم أن الضربات الانتقامية الإيرانية على إسرائيل ألحقت بالأخيرة أضرارا تكتيكية، لكن لا يبدو أنها ترقى إلى المستوى الذي هددت به إيران منذ فترة طويلة. فبالنسبة لدولة مثل إيران، أمضت سنوات في إقامة بنية عسكرية رادعة تستند إلى مبدأ الدفاع المتقدم عبر شبكات إقليمية بالوكالة وتهديدات صاروخية، يشير الرد المحدود إلى أحد أمرين: إما أن إيران تمارس ضبط نفس مدروس، أو أنها تعاني من محدودية قدراتها العسكرية مقارنة بالهيمنة الجوية الإسرائيلية والتصعيد الأمريكي المحتمل في الخليج.
وفي ظل التقارير التي تتحدث عن رسائل إيرانية إلى واشنطن عبر قنوات خلفية غير مباشرة، تبدي فيها طهران رغبتها في الحوار، فإن السؤال المطروح هو هل هي مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية بشأن برنامجها النووي لوقف المزيد من الضربات الإسرائيلية ومنع التدخل الأمريكي المباشر؟.
والحقيقة أن المطالب الأمريكية المبالغ فيها بالتفكيك الكامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، يمكن أن تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق. ويبدو أن طهران بالغت في تقدير مرونة الولايات المتحدة في المفاوضات السابقة، وقللت من شأن استعداد إسرائيل العسكري ورغبتها في المخاطرة. وحتى الساعات الأخيرة التي سبقت العملية في 13 يونيو/ حزيران، ظلت طهران ترى في الحشد العسكري الأمريكي والتهديدات باستخدام القوة مجرد تكتيكات الضغط النفسي عليها في المفاوضات.
وفور وقوع الهجوم العسكري الإسرائيلي على طهران، أصدرت دول المنطقة إدانات واضحة له، وحشدت جهودها لتمهيد الطريق لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في أقرب وقت. وأفادت تقارير أن طهران ضغطت على دول عربية معينة لحث إدارة ترامب على إجبار إسرائيل على قبول وقف إطلاق نار فوري. وحذر وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبد الله بن زايد، من اتخاذ “خطوات غير محسوبة ومتهورة” في حال التصعيد.
وفي محاولة من جانبه للوساطة من أجل إنهاء الحرب، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالات مع نظيريه الأمريكي دونالد ترامب والإيراني مسعود بزيشكيان، كما أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالات منفصلة مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مسعى مصري لوقف إطلاق النار. وقد سبق نشوب الحرب زيارة عراقجي للقاهرة يوم 2 يونيو/ حزيران، فيما اعتبر محاولة لتطبيع العلاقات بين البلدين، وهي الخطوة التي كانت ستكون أقل وضوحا لولا تغير ديناميكيات العلاقات الإقليمية منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 الفلسطينية على القواعد والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة والتي أدت إلى شن إسرائيل حربا ساحقة ضد القطاع أسفرت عن استشهاد أكثر من 55 ألف فلسطيني وفقا للتقديرات الفلسطينية.
وخلال السنوات الأخيرة سعت دول الخليج إلى جانب القوى الرئيسية في الشرق الأوسط إلى تعزيز حضورها الإقليمي والدولي كوسطاء في تسوية الصراعات. فمصر وقطر تقودان الوساطة بين حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” وإسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما استضافت تركيا والسعودية محادثات لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ورغم ذلك لم تسفر تلك الجهود عن نتائج كبيرة في الحالتين. ولم يكن فشل الوساطة نتيجة عدم افتقاد الوسطاء للبراعة الدبلوماسية أو الالتزام ببذل كل ما يلزم من جهد. لكن بمجرد أن تدخل الصراعات مرحلة التصعيد المستمر، يكون من الصعب تغيير اتجاهه في وقت قصير.
وتقول أوزتشيليك التي عملت كمدير مشارك في إحدى شركات الاستشارات بلندن إن الاختراق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي في بداية العملية العسكرية نجح في الكشف عن نقاط ضعف إيران، وتقليص مخزوناتها من الذخائر، وقصف مواقعها العسكرية والنووية الاستراتيجية، وبالتالي أصبح من الصعب إيجاد حل دبلوماسي يمكن للإسرائيليين القبول به. ومن الواضح أن أي ضغط إقليمي على إيران للتراجع عن “خطها الأحمر” فيما يتصل بتخصيب اليورانيوم قد أدى إلى نتائج عكسية.
وذكرت بعض التقارير أن الوسطاء العرب لم يروا أي مؤشر على استعداد إيران لتقديم تنازلات جديدة في المحادثات النووية. ورغم أن طهران كانت تنوي على الأرجح الحفاظ على قوتها التفاوضية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا ستعتبران ذلك رفضا قاطعا للمفاوضات.
وفي كل الأحوال فإن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تشعر بقلق من أن يكون أي انتصار إسرائيلي في حربها ضد إيران على حساب الاستقرار في المنطقة، لذلك فإن الوصول إلى حل تفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني يظل الخيار الأفضل من أجل استقرار المنطقة.