اخبار اليمن
موقع كل يوم -سما نيوز
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
في لحظة مشحونة بالأزمات التي تعصف بمحافظة حضرموت، عقد حلف قبائل بني ظنّة لقاءً استثنائياً في حصن بن يماني، حضره مقادمة ومشايخ من آل تميم والمناهيل وثعين وغيرهم، برئاسة المقدم أنور منصور بن يماني التميمي .
الاجتماع، الذي وُصف بأنه محطة مفصلية، شدد على وحدة الصف الظني وخدمة أبناء القبائل، وأكد التمسك بالمطالب المشروعة لأبناء حضرموت باعتبارها أساس أي تحرك أو موقف مستقبلي، كما أقرّ الحاضرون التحضير لعقد مؤتمر موسع للحلف، وتشكيل وفد للتواصل مع النخب والوجهاء في مختلف مناطق المحافظة .
لكن خلف هذه العبارات التقليدية، تكشف القراءة السياسية أن اللقاء لم يكن مجرد حدث قبلي، بل مؤشر على مسار جديد تسلكه بعض المكونات القبلية في حضرموت، ففي ظل غياب الدولة وتراجع قدرة المكونات السياسية على تمثيل الحضارم، تسعى القبائل إلى إعادة إنتاج نفسها كقوة ضاغطة، قادرة على ملء الفراغ والتموضع في قلب المشهد .
اللافت أن الحلف رفع شعار 'وحدة الصف الحضرمي'، لكن الواقع يشير إلى أن كل مكون قبلي أو سياسي يرفع الشعار نفسه من موقعه الخاص، وهو ما يعكس عمق الانقسام في البيئة المحلية؛ فبدلاً من مظلة جامعة واحدة، تتوزع حضرموت اليوم بين الأحلاف القبلية، والجامع، والمجلس الانتقالي، والسلطة المحلية، وكل طرف يحاول انتزاع شرعية التمثيل على طريقته .
ويقرأ مراقبون هذا الاجتماع على أنه رسالة مزدوجة : تأكيد على تماسك داخلي يسعى الحلف إلى بنائه، وإعلان عن نية لعب دور أكثر فعالية في التوازنات المقبلة، سواء عبر الحوار أو عبر الضغط السياسي والاجتماعي .
غير أن التحدي الأكبر يبقى في القدرة على ترجمة شعارات الوحدة إلى خطوات عملية تتجاوز الانقسامات، فحضرموت، التي تعيش مرحلة إعادة تموضع قبلي وسياسي، لن تستفيد من تكرار التجمعات ما لم تفضِ إلى توافق حقيقي يعزز استقرارها ويضمن تمثيلاً صادقاً لمصالح أبنائها .
ولا يمكن قراءة لقاء بني ظنّة بمعزل عن التحركات المتسارعة في المشهد الحضرمي؛ فكل تكتل قبلي أو سياسي يسعى اليوم إلى تثبيت موقعه ضمن خريطة النفوذ القادمة، وسط غموض الرؤية تجاه مستقبل حضرموت في معادلة اليمن الاتحادي أو المشاريع الجنوبية المتنافسة، ويبدو أن القبائل عادت لتلعب دور 'المُخلِّص الاجتماعي' في غياب الدولة وانحسار المؤسسات الرسمية، مستندة إلى إرثها التاريخي في إدارة الأزمات، لكنها في الوقت ذاته تُوظَّف – بوعي أو بدونه – في لعبة التوازنات بين قوى الداخل والخارج .
أما توقيت اللقاء فيحمل دلالات لافتة، إذ يأتي في ظل تزايد التباينات بين السلطة المحلية والمكونات التقليدية من جهة، وبين الحلف والجامع والمجلس الانتقالي من جهة أخرى، ما يجعله خطوة لإعادة التموضع وربما لفتح قنوات جديدة مع الأطراف الإقليمية التي تتابع المشهد عن كثب .
ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد انتقال القبائل من دور 'الاحتجاج والبيان' إلى دور 'الفاعل والمفاوض'، وهو ما سيُعيد تعريف مفهومي السلطة والشرعية داخل حضرموت، غير أن نجاح هذه التحولات سيظل مرهوناً بقدرة هذه المكونات على إنتاج رؤية جامعة تتجاوز الولاءات المناطقية والارتباطات الخارجية، وإلا فإنها ستبقى تدور في حلقة مفرغة من البيانات الموسمية التي لا تصنع واقعاً جديداً .
في المحصلة، فإن اجتماع بني ظنّة ليس مجرد حدث قبلي، بل قراءة في مستقبل القوة في حضرموت، حيث تتشكل معادلة جديدة عنوانها :
من يملك التأثير على الأرض هو من يكتب البيان الأخير، بينما تبقى الدولة الغائبة الحلقة الأضعف في معادلة الصراع المفتوح على كل الاحتمالات .
إن حضرموت اليوم تقف عند مفترق طرق تاريخي، يتطلب من نخبها وقياداتها القبلية والسياسية أن تتجاوز منطق التنافس الضيق نحو منطق الشراكة الواعية والمسؤولية الجماعية، فالمشهد لم يعد يحتمل مزيداً من الانقسام أو ازدواجية المواقف، ولا يمكن بناء مستقبل مستقر على ركام الولاءات المتناحرة،
إن قوة حضرموت الحقيقية لا تكمن في تعدد الأحلاف ولا في صخب الاجتماعات، بل في قدرتها على صياغة مشروع موحد يعيد للدولة حضورها ويمنح الإنسان الحضرمي كرامته ودوره الفاعل، فالتاريخ لا يرحم المترددين، والمستقبل لا يُمنح إلا لمن يمتلك الشجاعة في اتخاذ الموقف الصحيح في اللحظة الصعبة .