اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إبراهيم عبد المجيد*
إبراهيم زولي شاعر وكاتب سعودي نشيط، قدم أعمالا شعرية رائعة مثل «أول الرؤيا» و»تأخذه من يديه النهارات» و»شجر هارب من الخرائط» وغيرها.
هنا كتابه الأخير الذي سأتحدث عنه هو ليس ديوانا شعريا، لكنه إطلالة على أعمال أدبية وفكرية من روائع القرن العشرين، باعتباره القرن الذي شهد تحولات رائعة وجذرية في الفكر الإنساني والآداب والفنون، أعمال حملت تساؤلات لا تزال قائمة حول الوجود والهوية والمجتمع. رحلة عبر ثلاثين كتابا صدرت خلال القرن العشرين، كان لها ولا يزال أثرها الكبير في تشكيل الوعي حتى اليوم. لقد أطلق كشاعر على كتابه عنوان «ما وراء الأغلفة» وعنوانا فرعيا للتوضيح «روائع القرن العشرين». الكتاب صدر هذا العام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
جذبني العنوان الذي يوحي أو ينذر، برحلة إلى بيوت مسحورة ومغلقة سنكتشف أسرارها معا. من المهم أن أشير قبل الرحلة مع الكتاب، إلى أن بعض الكتاب المشاهير أو المتحققين، قد لا يتوقفون عند كتب عن أعمال فكرية وأدبية، باعتبار أنهم قرأوها أو قرأوا كثيرا منها. لكن من خبرتي في الحياة، مثل هذه الكتب هي أجمل نوافذ يطل منها الشباب وهو يتقدمون في طريقهم الثقافي.
لا أنسى بداية شبابي، بل صباي، حين عرفت كتّاب العالم من خلال كتب لطه حسين وعباس العقاد وأنيس منصور، فكنت أذهب إلى المكتبات العامة، أبحث عن المؤلف الذي قرأت المقال عنه. من هنا كانت إطلالتي المبكرة على كتّاب مثل هيغل ونيتشة وداروين وأندريه جيد وسارتر وكامو وعشرات غيرهم، فضلا عن الكتاب من العالم العربي ومصر.
الرائع هنا أن إبراهيم زولي كشاعر يتحدث بإيجاز بالغ مؤثر، ليس عاطفيا فقط، لكن في الشرح والتفسير. يبحر بنا عبر ثلاثين كتابا كان لها ولا يزال، أثرها في الحياة بكل جوانبها. وكلمة روائع القرن العشرين لا تعني إنه لم يكن هناك غيرها، لكنها بأثرها استحقت منه الاهتمام. ليس مفيدا أن أقول إني قرأت كل هذه الكتب، وكان لها الكثير من الأثر في روحي وعقلي، وتابعت ما أثارته من معارك، لكن أن يجمعها شاعر مثل إبراهيم زولي، فهو كما قلت، أمر يستحق الاهتمام، ومقالي هنا محاولة مني لوصل الحبل مع القارئ الشاب في عالمنا العربي، ليقرأ ويستمتع بلغة إبراهيم زولي ورؤيته، ويبحث عن هذه الكتب أو ما لم يقرأه منها، فهي أعظم زاد ثقافي وإنساني. ثلاثون عملا فكريا وأدبيا من الشرق والغرب، بين الشعر والفلسفة وعلم النفس والرواية والمسرح. فمن الشعر حديث عن قصيدة «الأرض اليباب»، التي ظهرت عام 1922 للشاعر الإنكليزي توماس ستيرنز إليوت وما أحدثته من نقلة في الشعر العالمي. ظروف ظهورها بعد الحرب العالمية الأولي، وما أحدثته الحرب من تشظي الروح الأوروبية بعد الدمار الشامل الذي جرى، وكيف كان تأثيرها على الشعر الغربي والعربي أيضا.
تأثيرها على حركة أنصار الشعر الحر من شعراء مثل، بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وأدونيس وصلاح عبد الصبور وغيرهم وأمثلة على ذلك. في علم النفس حديث عن كتاب «تفسير الأحلام» لسيغموند فرويد الذي كشف مفاتيح اللاوعي، وهو الكتاب الذي صدر عام 1990 مع مطلع القرن العشرين. كيف تعبر الأحلام عند فرويد عن رغبات مكبوتة منذ الطفولة، وكيف رفض التفسيرات التقليدية، التي اعتمدت على الرؤى الغيبية. كيف ظهر ما عرف بالتداعي الحر، فالحلم لا تقيده رقابة ما. أنا شخصيا قرأت هذا الكتاب في مطلع شبابي ورأيت ما فيه حقيقيا كان يحدث معي في بعض أحلامي، التي أتذكر بعدها كيف كان الحلم تحقيقا لرغبة قديمة. كيف كان كتاب فرويد مؤسسا لعلم التحليل النفسي. من الفلسفة يأتي كتاب «الوجود والعدم» لجان بول سارتر، وأثره في الفكر الإنساني باعتباره بيانا أو مانيفستو للوجودية.
أعرف طبعا ما كتبه إبراهيم زولي، وكيف كان الكتاب تتويجا لدراسات سابقة في القرن التاسع عشر لسورين كيركجارد أو نيتشة أو هيدغر، وكيف صار كتاب سارتر هو العمود الأساسي للفلسفة الوجودية. منذ قرأت هذا الكتاب في مطلع شبابي وأنا ارتاح إليه فرحلتنا يصنعها الآخرون الذين هم الجحيم، رغم ما حدث بعد ذلك في فكر سارتر وتطوره من المزج بين ذلك، والقدرة على التمرد والتأثير، التي أتت بما عُرف بالأدب الملتزم. كيف كان لهذا الكتاب تأثيره على الأدب، فمنه جاء مسرح العبث والقلق الوجودي في الروايات. يظهر أثر الوجودية دائما في بعض شخصيات رواياتي، ويعيدني إليها كتاب إبراهيم زولي، فيقيم شجرات أقمتها يوما حولي من جديد. عن الاستشراق يأتي الحديث عن كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد الذي كشف عن التحيزات الغربية في دراسات المستشرقين، وكيف أصبح كتاب إدوارد سعيد مرجعا أساسيا في دراسات ما بعد الكولونيالية، وإعادة تعريف العلاقة بين الشرق والغرب على أسس أكثر نقدية وإنسانية.
تأتي كتب مهمة دائما كان لها تأثيرها الكبير في الفكر العربي الأدبي والسياسي أيضا، والعلاقة بالتراث وإبعاده عن القداسة مثل «في الشعر الجاهلي» لطه حسين، و»الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق الذي نشر عام 1925 وهي سنوات نشر كتاب طه حسين، وسقوط فكرة الحاكمية وإعلاء مفهوم الدولة، فالإسلام لا يفرض حكما معينا مثل الخلافة، فهو دين روحي وليس نظاما سياسيا محددا، وما جرى مع الكتابين من هجوم ومصادرة للكتابين، ومحاكمة لطه حسين، لكن تظل آثار الكتابين في الحركة الأدبية بالنسبة لطه حسين، أو السياسية بالنسبة لعلي عبد الرازق، وحاجتنا إليهما قائمة حولنا، ثم يأتي كتاب مثل» تكوين العقل العربي» للمفكر المغربي محمد عابد الجابري، الذي صدر عام 1982، أو كتاب « الخطيئة والتكفير.. من البنيوية إلى التشريحية. نظرية وتطبيق» للمفكر السعودي عبد الله الغذامي في السياق التحرري نفسه من وطأة التراث والقداسة الكلية، وفتح طريق التمرد على السائد من فكر أصولي، وأثر الكتابين وما أحدثاه من زلزال في الفكر العربي مع أو ضدهما، وفتح الطريق إلى الحداثة الحقيقية. وكتاب غاب عن الكثيرين هو «خواطر مصرّحة» للشاعر السعودي محمد حسن عواد. هو كتاب صدر عام 1926 فهز أركان الفكر السائد آنذاك في الجزيرة العربية، خاصة أنه جاء في وقت بدأت تظهر فيه إرهاصات الدولة الحديثة في الجزيرة العربية تحت الحكم السعودي. كيف دافع المؤلف في الكتاب عن تعليم المرأة، ودعا إلى تجديد الفكر الديني، وكيف فتح الكتاب قواعد أولية للنهضة الفكرية في السعودية. نهضة تقوم على التساؤل والتحليل لا على النقل والتكرار.
تحتل الروايات مساحة هي الأكبر في الكتاب، فيأتي الحديث عن روايات مثل «زينب» لمحمد حسين هيكل. الرواية التي فتحت الباب للرواية العربية، أو «المسخ» لفرانز كافكا، أو «عوليس» لجيمس جويس، أو «الصخب والعنف» لوليم فوكنر، أو «الغريب» لألبير كامو، أو «الأم» لمكسيم غوركي، أو «زوربا اليوناني» لنيكوس كازنتزاكس، أو 1984 لجورج أورويل، أو «بدرو بارامو» لخوان رولفو. الرواية التي أسست الواقعية السحرية وأيقظت غابرييل غارثيا ماركيز. كذلك روايات مثل «الأشياء تتداعى» للنيجيري تشينوا أتشيبي، كنص مفصلي في تاريخ الأدب الافريقي، أو «مئة عام من العزلة» لماركيز، أو «الخبز الحافي» لمحمد شكري، التي جعلت الهامش هو الوثيقة الاجتماعية، أو «اسم الوردة» لأمبرتو إيكو، والمواءمة فيها بين الرمز والحكاية، أو رواية «محبوبة» للأمريكية توني موريسون، التي رسخت شبح العبودية في أمريكا وأعلنت عدم غيابه.
ينهي الكتاب بحديث عن كتاب ميخائيل غورباتشوف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي وقتها، وهو كتاب عن البريسترويكا التي تعني إعادة الهيكلة، والغلاسنوست التي تعني الشفافية، معلنا فشل النموذج الستاليني من تحكم وديكتاتورية، وطبعا نعرف ما جرى بعد ذلك. هذا الختام للكتاب كأنه مناصرة لكل ما جاء به من كتب فكرية وروايات وشعر ومسرح متمرد على السائد عبر الزمان.
*كاتب مصري




 
 
 
 
 
 
 
 
 
 








































