اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١٠ أب ٢٠٢٥
ثمة فجوة كبيرة بين الطريقة التي يعرض فيها قرار الكابنت الصادر الجمعة الماضي بشأن توسيع الحرب في قطاع غزة، وبين ما يظهر كتداعيات عملية له. رسمياً، صادق الكابنت على موقف نتنياهو واحتلال مدينة غزة، في الطريق إلى احتلال كامل للقطاع. عملياً، صياغات واشتراطات القرار قد تؤجل تطبيقه لشهرين، هذا إذا تم تطبيقه.
تحفظات رئيس الأركان أيال زمير من هذه العملية واضحة، لكن خلافاً للانطباع الذي حاول محيط نتنياهو خلقه فإن زمير لم يهزم في الجلسة. ربما العكس؛ عقبات كثيرة تقف الآن في الطريق إلى درجة أنه يصعب الآن رؤية كيف يفرض نتنياهو إرادته بسرعة. إضافة أنه لا يمكن الثقة بأنه لا تلاعب هنا على كل الأطراف: الجيش، وزراء اليمين المتطرف، حماس، والجمهور الإسرائيلي بشكل خاص.
إذا كان نتنياهو يريد وبحق احتلال غزة، فعليه مواجهة صعوبات أساسية في محاولة تحقيق هذا الهدف. الصعوبة الأولى هي أن الولايات المتحدة تطلب منه القيام بخطوات إنسانية؛ منها إغراق المنطقة بالمساعدات، وإقامة مراكز توزيع كثيرة، وإخلاء حذر وبالتدريج للسكان الفلسطينيين من مدينة غزة ومحيطها- تقريباً مليون شخص. هذه خطوات سيحتاج تأمينها إلى وقت طويل، وجزء من تطبيقها يرتبط بمنظمات أجنبية لا تخضع لأجندة إسرائيل. من البداية، حدد الكابنت ما وصف بموعد هدف رسمي، استكمال الإخلاء حتى 7 أكتوبر. إذا كانت هزيمة حماس حاسمة وملحة بهدف منع مذبحة أخرى، كما تدعي الحكومة، فليس واضحاً لماذا يتم إلحاق اعتبارات رمزية بالقرار، خاصة عندما يدور الحديث عن انتظار لشهرين. يصعب التحرر من التفكير بأن التأجيل يخدم نتنياهو، الذي لا يشعر بأي إلحاحية لإنقاذ المخطوفين أو حسم المعركة. سيكون التوقيت جيداً لنتنياهو حتى من الناحية السياسية. ففي تشرين الأول، سيعود الكنيست من العطلة الصيفية، وسيكون القتال المتزايد ذريعة جيدة ضد محاولة حلها.
الصعوبة الثانية تتعلق بتجنيد الاحتياط. يعلن الجيش الإسرائيلي الحاجة إلى حجم كبير من التجنيد، 120 – 250 ألف رجل احتياط. يبدو أن التقدير الأدنى هو الأقرب إلى الواقع، لكنها نفس هيئة الأركان ذاتها التي حاولت تثبيت منحنى الرسم البياني للنشاطات العملياتية هذه السنة، ووعدت رجال الاحتياط بنيتها خفض متوسط الخدمة للجنود في 2025 إلى 74 يوماً. الآن، نسبة الامتثال في وحدات الاحتياط في حالة هبوط حر، والقادة يغطون على ذلك بتجنيد محموم لرجال الاحتياط الذين لا وحدات لهم، والذين يحولون الخدمة عند الحاجة إلى مصدر للرزق ويتنقلون بين القيادات والكتائب. ما الذي ستفكر فيه عائلات رجال الاحتياط حول تجنيد جماعي آخر، بين نهاية العطلة الكبيرة والأعياد؟ كم عدد الذين سينجحون في الحفاظ على أماكن عملهم؟ نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، لا ينشغلان بهذه الأمور التافهة. عملياً، ربما هي وصفة لتأجيل بداية العملية لشهرين على الأقل.
صيغة البيان مقابل التوقعات التي نثرها نتنياهو ومؤيدوه محدودة جداً. لم يتم تُذكر فيها كل الطموحات المكشوفة التي يكثر وزراء اليمين المسيحاني الحديث عنها، “ليس احتلالاً، بل سيطرة”، “ليس تشجيعاً على الهجرة الطوعية”، و”ليس فظائع المدينة الإنسانية”. ليس واضحاً إذا كان هذا حذراً أم إملاء أمريكياً. والكابنت أيضاً لا يعلن إذا كان توجهه نحو صفقة تبادل جزئية أم صفقة شاملة. حتى قبل أسبوع، قال نتنياهو إن الهدف صفقة جزئية، بعد ذلك غير موقفه فجأة وطالب بصفقة شاملة، بدون أن يشرح مصدر هذا التغيير. الآن ينثر الوزراء شعارات فارغة حول عملية ستؤدي إلى تحرير جميع المخطوفين. يتجاهلون أن سنة تقريباً قد مرت منذ المرة الأخيرة التي نجح فيها الجيش بإنقاذ مخطوف على قيد الحياة.
حتى اليمين المسيحاني لا يصدق وعود نتنياهو. لقد نشرت وسائل الإعلام أن ممثلي رئيس الأركان صرخوا واصطدموا أثناء جلسة الكابنت الليلية مع رئيس “الشاباك” دادي برنياع، ومع رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي اختلف وبصورة استثنائية مع موقف نتنياهو. في “أخبار 12” نشرت اقتباسات لا يمكن تصديقها: وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، التي ظهرت وكأنها تصمم على تجسيد صورة الشريرة في فيلم هوليوودي، وبخت منسق هيئة الأسرى والمفقودين غال هيرش، عندما أصر على إبقاء تحرير المخطوفين أحد أهداف الحرب. “هذه ليست المهمة”، قالت لهيرش. “المهمة تصفية حماس”. في حين أن وزير الأمن الوطني بن غفير، قدم المواعظ لزامير حتى يتعلم الانضباط من الشرطة. المقابلة التي تم بثها في نفس القناة مع عامي ايشد، قائد لواء تل أبيب المُقال، أوضحت مدى الحالة التي دهور فيها بن غفير الشرطة.
توجه كارثي
أمس بعد الظهر، زار رئيس الأركان قيادة المنطقة الجنوبية. في البيان الذي نشره المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي شمل أيضاً تعهد زمير بالحفاظ على حياة المخطوفين والسماح للقوات بالانتعاش لتعزيز القدرة على التحمل والعمل، وفقاً لقيم وروح الجيش الإسرائيلي. المعنى الضمني واضح: الجيش الإسرائيلي سيتقدم بوتيرته الخاصة، ورئيس الأركان لا تخيفه تصرفات السياسيين. ورغم التوقعات الكثيرة في الأسبوع الماضي، لا يسارع زامير في تقديم استقالته، بل سيحاول توجيه الجيش حسب أسلوبه الخاص، وتقليص الأضرار التي تسببها الحكومة والكابنت. في الفترة الأخيرة، انهالت عليه طلبات من ضباط متقاعدين ومدنيين، يتوسلون إليه للبقاء في منصبه.
الوضع الذي خلقته إسرائيل في القطاع خطير جداً. يبدو أن المفاوضات حول الصفقة ما زالت عالقة، والخطر على حياة الجنود والمخطوفين سيزداد إذا جرت محاولة احتلال مدينة غزة. نجح الجيش الإسرائيلي في إخلاء مئات آلاف الفلسطينيين من غزة وخان يونس ورفح، بسرعة وبشكل عنيف. ولكن بعد مرور سنتين تقريباً على الحرب، فإن القطاع تم تدميره، والسكان متعبون، ولم لكثير منهم ما يخسره، وتصعب معرفة إذا كانوا سيهربون جميعاً. الضرر الدولي الذي يلحق بإسرائيل يتراكم. أمس، أعلنت ألمانيا عن حظر جزئي لتصدير السلاح لإسرائيل وأثارت صدمة معينة عندنا.
إلى جانب الأضرار الاستراتيجية، ينبه إلى تحذير من البروفيسور إلياف لابلاخ، الخبير في القانون الدولي في جامعة تل أبيب. يقول: إن الجنود، الذين سينفذون أمر احتلال مدينة غزة وطرد سكانها إلى منطقة صغيرة فيها تخلو من أي ظروف عيش بالحد الأدنى وبدون أي إمكانية للعودة إلى بيوتهم، هم جنود سيجدون أنفسهم متهمين بالتورط في جرائم ضد الإنسانية.
رغم العناوين الدراماتيكية، يبدو أن إسرائيل تسرع نحو كارثة جديدة، بل تتمترس في الشرك القائم. لذلك، قد تُدخل الحرب والمفاوضات إلى حالة جمود لبضعة أشهر بدون أي تقدم نحو الصفقة أو اتفاق لوقف إطلاق النار. ولكن حتى لو وجد نتنياهو صعوبة في تحقيق رغبته هذه المرة، يجدر الانتباه إلى ما كشفته هذه الجلسة في خطواته الأخيرة. نتنياهو فقد الكوابح تماماً، ويعمل بدون كوابح لتحقيق أهدافه – البقاء في الحكم بإشعال حرب خالدة، انتقاد المعارضة له لا يؤثر عليه، ولا تساؤلات الجمهور. حتى لو نجح زامير في إبطاء وتيرة التنفيذ، فالتوجه الكارثي الذي تمليه الحكومة بقي على حاله.
عاموس هرئيل
هآرتس 10/8/2025