اخبار اليمن
موقع كل يوم -صحيفة ٤ مايو الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني
تمثل المهرة، أحد محافظات الجنوب الواقعة في أقصى الشرق الجنوبي ، تبدو اليوم أكثر من مجرد مساحة جغرافية مترامية الأطراف على بحر العرب وخليج عمان.. فهي تمثل عمقا استراتيجيا للجنوب سياسيا وجغرافيا وثقافيا، بفضل موقعها وحدودها، وكذلك بفضل لغتها الفريدة 'المهرية التي يرى باحثون أنها تعود إلى ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف عام، ما يجعلها واحدة من أقدم اللغات السامية الحية.
وإن إحياء 'يوم اللغة المهرية' الذي يصادف الثاني من أكتوبر من كل عام، تحول إلى مناسبة سياسية وثقافية في آنٍ واحد. بالنسبة لكثير من أبناء الجنوب، هذا اليوم ليس مجرد احتفاء بلغة محلية، بل إعادة تأكيد على هوية جنوبية متعددة ومتجذرة، في مقابل سنوات من محاولات التذويب التي واجهتها هذه اللغة بعد إعلان الوحدة اليمنية المشوؤمة عام 1990.
كما أن اللغة المهرية، إلى جانب السقطرية، تحظى بمكانة خاصة في مخرجات الحوار الوطني الجنوبي، حيث نصّت المادة (23) على اعتبارهما لغتين رسميتين في نطاق إقليميهما ضمن أي دولة جنوبية فيدرالية قادمة.و هذه الخطوة ينظر إليها محللون باعتبارها تحولا نوعياً في مسار بناء دولة جنوبية تحترم الخصوصيات الثقافية واللغوية، بعيدا عن النموذج المركزي الذي ساد لعقود.
إلى جانب بعدها الثقافي، يرى مراقبون أن المهرة تمثل أيضا 'صمام أمان' استراتيجي للجنوب. فهي بوابته الشرقية، وواحدة من أكثر محافظات الجنوب تنوعاً جغرافياً وسكانيا .. ومع مشروع الفيدرالية الجنوبية الذي يضع في اعتباره احترام خصوصية كل محافظة، تبدو المهرة في قلب هذا التصور، ليس فقط بموقعها، بل بلغتها وتراثها العريق أيضا.
تقول مصادر محلية إن أبناء المهرة، ورغم التحديات المتمثلة بغياب نظام كتابي للغتهم، يواصلون تناقلها شفهياً جيلاً بعد جيل. ويشير مثقفون جنوبيون إلى أن الشعر المهري، والأهازيج الشعبية، وحتى الألغاز التي يتداولها الأطفال، ساعدت على بقاء اللغة حيّة حتى اليوم.
كما أن الاهتمام الرسمي والشعبي بالمهرة ولغتها يعكس، بحسب محللين، أن مشروع الدولة الجنوبية المقبلة لا يقوم على إعادة إنتاج الماضي، بل على صياغة مستقبل جديد تُصان فيه خصوصيات كل منطقة، وتُجمع تحت هوية جنوبية جامعة.
وبينما يقترب الجنوبيون من إحياء الذكرى الـ62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر، يتقاطع الاحتفاء بيوم اللغة المهرية مع هذا الحدث التاريخي، ليؤكد أن الجنوب يسير بخطى واثقة نحو استعادة دولته، مستندا إلى جغرافيته وثقافته، وإرثه اللغوي الذي صمد عبر القرون مضت.